إعداد -هالة أحمد فؤاد -عضو جمعية الإعجاز العلمي فى القرآن الكريم والسنة

حاول غزاة الفكر والعقيدة الإسلامية، تأويل ظاهرة الوحي فى حياة الأنبياء والرسل عامةً، وعند محمد صلى الله عليه وسلم خاصة ً، فمنهم من انتهى إلى أن الوحي إنما هو نوع من الإلهام النفسى، ومنهم من زعم أنه إشراق روحى تكوّن عن طريق التدرج فى التأمل والتفكر المستمر، بل لم يستح البعض من القول إن الوحي لم يكن إلا نوبات من الصرع!!
ورغم اتهاماتهم المستمرة للمتدينين من المسلمين بالجمود الفكرى والتعصب وعدم اتباع المنهج العلمى فى الدفاع عن قضاياهم، فإنهم لم يقدموا دليلاً واحداً على ما يقولون، ثم إننا من حقنا أن نتساءل: أى منهج علمى اتبعوه مما وصل بهم إلى تلك التأويلات؟

فما قالوا كل هذا إلا لعلمهم بأن الرسالة أو النبوة لا تتحقق إلا بوحي من الله تعالى إلى من اختاره من عباده، حيث يعرّف العلماء كلا من النبى والرسول بأنه إنسان أوحى الله إليه بوساطة ملك عظيم وهو جبريل عليه السلام، بأن يبلغ عامة الناس أو فئة منهم أمرا من قبل الله تعالى، فإن أوحى الله إليه بأمر ولم يأمره بتبليغه فهو نبى فقط وهذا التعريف قد أجمع عليه المسلمون جميعهم.

لذلك فان أى تشويش أو تشكيك فى موضوع الوحي سيؤدى حتماً إلى القضاء على العقيدة بأكملها.

وبما أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هى الخاتمة، لهذا فسنكتفى بالحديث عن الوحي فى حياته صلى الله عليه وسلم، وسنقدم الأدلة العقلية والعلمية لدحض تلك الادعاءات والافتراءات المنكرة للوحى.

وقبل تقديم تلك الأدلة لابد من أن نجيب عن هذا التساؤل : ما هو مصدر كلمة الوحى فى حياة محمد صلى الله عليه وسلم؟ إن مصدر كلمة "الوحى" هو الخبر المنقول إلينا عن طريق القرآن وعن طريق السيرة وصحاح السنة حيث انتهى علماء المسلمين كلهم إلى أن حديث بدء الوحى المروي فى صحيح البخارى وغيره، هو حديث صحيح بعد التحقق من الرواية واللفظ والسند، وكلنا يعلم قصة بدء الوحى على الرسول صلى الله عليه وسلم لذا فلا داعي لذكرها كاملة، ولكننا سوف نقدم أدلتنا مما انطوت عليه تلك القصة من حكم إلهية عظيمة.

وبداية نفسر الحكمة من رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام أول مرة واقفاً أمامه رأي العين وقد كان بالإمكان أن يكون الوحى من وراء حجاب؟ ذلك حتى يتبين لنا أن ظاهرة الوحى ليست أمرا ذاتيا داخليا من مثل الإلهام أو حديث النفس، وإنما هو تلق خارجى منفصل عنه لاعلاقة له بنفسه، ولقد تأكد هذا التلقي الخارجى بضم جبريل عليه السلام لمحمد صلى الله عليه وسلم ثم إرساله ثلاث مرات.

ثم لماذا تملك الرعب من محمد صلى الله عليه وسلم والحيرة فى فهم حقيقة ماحدث لدرجة أن قطع خلوته فى غار حراء وأسرع إلى بيته يرتجف ظناً منه أن هذا قد يكون طائفاً من الجن ؟ لكى يتضح لكل مفكر عاقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن متشوقا ومنتظرا للرسالة التى سيكلف بحملها وتبليغها للناس أجمعين بل فوجئ بها دون أى توقع سابق، وان ظاهرة الوحى لم تأت متممة لشئ كان يتصوره أو يخطر على باله، ولاشك أن هذا ليس هو حال من يتدرج فى التأمل والتفكر إلى أن تتكون فى نفسه عقيدة يؤمن بالدعوة إليها.. كما أن شيئا من حالات الرعب ورجفان الجسم واصفرار لون الوجه وتصبب العرق، لايمكن أن يندرج تحت الانفعالات الإرادية بل هى من الانفعالات القسرية التى لايمكن التظاهر بحدوثها.

وأخيراً ما هى الحكمة الإلهية من انقطاع الوحى عنه بعد ذلك لمدة طويلة كانت ستة أشهر أو يزيد حتى تملكه الحزن والقلق؟ ذلك ليتأكد الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا يملك أمر نزول الوحى فهو لا يتنزل إلا بأمر من الله تعالى وحده.. ألا يكفى كل هذا؟

المرجع: كبرى اليقينيات الكونية- د. محمد سعيد رمضان البوطي