هالة
أحمـــد فؤاد
عضو جمعية الإعجاز العلمى للقرآن الكريم و السنة
كثر فى الآونة الأخيرة السعي الدءوب لمحاولة إيجاد
تفسيرات علمية للكثير من النصوص الشرعية من قرآن كريم
و أحاديث شريفة ، و رغم إنى من المؤيدين بشدة لبيان
أوجه الإعجاز العلمى للقرآن الكريم و السنة ، بل و
كتبت عن ذلك الكثير و الحمد لله ، إلا إنى أرفض التسرع
فى التفسير العلمى الذى لا يستند إلى ما هو قطعى من
الحقائق العلمية .
فقد لاحظت مؤخراً محاولات الكثيرين لإلصاق بعض النصوص
الشرعية لبعض النظريات العلمية التى لم ترقى بعد لتصل
إلى مقام الحقيقة العلمية بل و لا تتبع أى منهج علمى
لإثبات صحتها ، فهم يريدون بذلك إضفاء صبغة دينية على
تلك النظريات للترويج لها و لكسب ثقة المتدينين بهم ،
و سأعطى مثال :
ما يقوله بعض مدربى ( برمجة العقل) فى دوراتهم :-
يقولون : إن الإنسان نسيج خياله ، فأنت و ما تظن ...
ظنك هو الذى يحدد لك مستقبلك ، ثم يضفون صبغة شرعية
على ذلك بالاستدلال بالحديث القدسي " أنا عند ظن عبدى
بى فليظن عبدى بى ما يشاء " !!
و الحقيقة أن هذا التفسير العلمى لهذا الحديث القدسى
غير صحيح .. .. ثمة فرق بين معنى الحديث وبين الفرضية
التى يدعون إليها ، بمعنى : أنك قد تظن أن أمراً ما
يحمل لك الخير و السعادة .. ثم يضيع منك ، فهل معنى
هذا أنك أسأت الظن بالله تعالى ؟ .. و هل معنى إحسانك
ظنك بالله تعالى أن يتحقق لك كل ما تريد ؟
أن تحسن الظن بالله تعالى يعنى الرضا بقضائه و قدره ..
و أن تصبر عليه حتى و إن حدث لك عكس كل ما تمنيته أو
تخيلته و تصورته عن مستقبلك ، لإيمانك بأن قضاء الله
تعالى و قدره يكون عن علم من الله وحكمة .
و مثال آخر : سعى الكثيرون لإثبات أوجه الإعجاز العلمى
لفوائد الوضوء لما به من تدليك لليدين و القدمين و
الأذنين ، الأمر الذى يساعد – بحسب قولهم – على تنشيط
جهاز الطاقة و خاصة نقاط و منافذ الطاقة المنتشرة على
كافة أجزاء الجسم و المرتبطة بطاقة كل عضو بالجسم
..ليس هذا فحسب , بل جاء من يفسر الآية الكريمة (إنى
أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادى المقدس طوى ) طه:12 ،
يفسر ذلك أيضاً بأن نقاط الطاقة المنتشرة أسفل القدمين
مرتبطة بطاقة العقل !!
و الحقيقة أن الحديث عن الطاقة الكونية و علاقتها
بالصحة و الشفاء ، يعد منزلقا
خطيرا لما يشوبه و يخالطه
من أفكار و فلسفات وثنية !! .. نعم وثنية .. تتعارض و
ثوابت عقيدتنا الإسلامية الصحيحة .. .. مثل فلسفة وحدة
الوجود .. و وحدة الطاقة .. و الروح الأعظم .. فكل هذا
مستمد من بعض الوثنيات !!
و أكرر : هذا منزلق خطير لما يشوبه من فلسفات وثنية ،
و أسترشد هنا برأى د. فوز بنت عبد اللطيف كردي أستاذ
العقيدة و الأديان و المذاهب المعاصرة بكلية التربية –
جدة – حيث تقول : ]
فكرة الطاقة الكونية تعتمد على
تصور خاص للكون والحياة وعلاقة الإنسان بالكون حسب
تصور الطاوية (دين الصين القديم ) .. حيث يعتقد
الطاويون أن كل مافي الوجود هو "الطاو" ، فهو أصل كل
الأشياء ، وإليه مرد كل الأشياء ، وأن كل مافي الكون
هو تمثيل للطاو في ثنائية "الين" و"اليانج" وكل مافي
الكون يسعى للموازنة بين قوتي "الين" و"اليانج" حتى
يتحقق التناغم مع "الطاو" ، و يختلف اسم "الطاو" (Tao)
حسب اللهجات أو الفنون أو اللغات فيدل عليه كذلك اسم
"كي" (Ki)
المستخدم في تطبيقات "الريكي" واسم "الماكرو" (Macro)
عند مفكري الماكروبيوتيك ، كما زعموا أن الصينيين
القدماء قد اهتموا بهذه الطاقة الحيوية ، واكتشفوا
جهاز الطاقة في الإنسان ، كذلك زعموا أن "جهاز الطاقة
" هذا موجود لدى كل إنسان ولكن في جسمه الأثيري ، ومن
خلال منافذ الطاقة في الجسم الأثيري يتم تدفق الطاقة
الحيوية للجسم . كما تسعى التطبيقات المعتمدة على
فلسفة الطاقة في كثير من تمارينها لتدريب الناس
على ما يسمى بالاسترخاء ، والاستشفاء ، والوقاية من
الأمراض
بمختلف صورها ، كما تستخدم التنويم كأسلوب علاجي
للمرضى، أو وقائي للأصحاء بهدف
الوصول للمرحلة التي يحدث فيها خروج عن سيطرة العقل
الواعي والتي تؤهله لأن يتصف بصفات لا
تكون إلا " للإله "، و هى ما يسميها
ممارسو التنويم مرحلة النشوة
Trance
وفيها يتم التعامل مع العقل
اللاواعي [
.. و هذه الحقيقة أحسب و الله أعلم
أن معظم مدربى هذه التطبيقات و متدربيها لا يعلمونها .
أما المقصود بقوله تعالى ( فاخلع نعليك ) فقد فسرها
معظم المفسرين و منهم على بن أبى طالب رضى الله عنه ،
قَالَ : }كَانَتَا
منْ جلْد حمَار , فَقيلَ لَهُ اخْلَعْهُمَا
{
.. .. كما سأستدل على بطلان الإدعاء بأن خلع النعلين
مرتبط بطاقة العقل بالحديث الشريف الذى رواه أبو سعيد
الخدري : (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى فخلع
نعليه ، فخلع الناس نعالهم ، فلما انصرف قال : لم
خلعتم نعالكم ؟ فقالوا : يا رسول الله رأيناك خلعت
فخلعنا ، قال : إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً
فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيها فإن
رأى بها خبثاً فليمسه بالأرض ، ثم ليصل فيهما ).
و لهذا سألت نفسى :- أيهما كان الأفضل ؟ عندما آمنت
بعباداتي عن غيب.. أم مقرونة بمحاولات تفسيرها ؟
فكان الرد أسرع مما أتخيل .. لقد كان إيمانى بها عن
غيب يسعدنى أكثر بل و يملؤني طمأنينة و راحة ..
فاستشعرت الفهم الحقيقى لوصف الله تعالى للمؤمنين
الحقيقيين بأنهم ( الذين يؤمنون بالغيب ) .. فما
أحوجنا للإيمان بالغيب .