الواحــــــــة

القابـض البـاسـط

 هالة أحمـــد فؤاد

  القابض الباسط  هما إسمان لله تعالى وردا في القرآن الكريم بصيغة الفعل ؛ قال تعالى في سورة البقرة : 245{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } .

و البسط عكس القبض ، بسط الشيء أي نشره و وسعه  و قبض الشيء أي أخذه ، و يقال : صار الشيء في قبضتك أي في ملكك ... و قد يستعملان في الجود و البخل فيقال : مبسوط اليد إذا كان سخياً واسع العطاء ، و  مقبوض اليد أي على الضد من ذلك .. {وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ ... } .. و قد يستعملان أيضاً بمعنى الإقتدار و القهر ، و منه قول الله تعالى { لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط  يدي لأقتلك } المائدة : 28  

إذاً فالله سبحانه و تعالى هو القابض الباسط أي يعطي و يمنع و يقهر .. و هو الناشر فضله على عباده يرزق من يشاء و يجود على من يشاء بما يشاء .. و يضيق على من يشاء لحكمة أرادها كما أخبرنا في كتابه الكريم {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ }  الشورى: 27  ، فالله سبحانه و تعالى هو الأعلم بمصالح عباده و كيفية تقويمهم .. يعلم بعلمه المحيط أنه إن بسط رزقه لبعض عباده المؤمنين فوسعه و كثره لغفلوا عن طاعة الله، وأقبلوا على التمتع بشهوات الدنيا، {ولكن ينزل بقدر ما يشاء} بقدر كفايتهم لطفاً منه و رحمة بهم .. يقبض و يضيق عليهم رزقهم .. ليوسع عليهم من رحمته و يهديهم .

كما يوسع رزقه على من يريد أن يبتليه بالمال ليمده في طغيانه و يضله .. و يضيق عليه من رحمته و لطفه {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } .

و هو القابض و الباسط للأرواح .. قابضها بالموت و النوم ..  و باسطها بالحياة و اليقظة  .. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كما تنامون فكذلك تموتون وكما توقظون فكذلك تبعثون».

و قال تعالى {ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } الزمر : 42

و الآية في تفسير القرطبي :  {ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا} أي يقبضها عند فناء آجالها ،  {وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا} قال فيها ابن عباس وغيره من المفسرين: إن الله يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا ، فتلتفي أرواح الأحياء والأموات في المنام فتتعارف ما شاء الله منها، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الأجساد «فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأَخْرَى»  يمسك الله أرواح الأموات عنده، ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها فيعيدها ثانيةً ..  يقول علي رضي الله عنه : فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقتها الشياطين، وتخيل إليها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة .

 وقد اختلف الناس من هذه الآية في النفس والروح؛ هل هما شيء واحد أو شيئان مختلفان ، والأظهر أنهما شيء واحد، لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة ، من ذلك حديث أمّ سلمة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شَقَّ بصرُه فأغمضه، ثم قال: «إن الروح إذا قُبِض تَبِعه البصرُ» ، و في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألم تروا الإنسان إذا مات شَخَص بَصرُه» قال: فذلك حين يَتْبعَ بَصرُه نَفْسَه»، و في الحيث الصحيح : «تحضر الملائكة فإذا كان الرجل صالحاً قالوا اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيّب اخرجي حميدة وأبشري برَوح وريحان وربٍّ راضٍ غير غضبان ... » ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: «إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدان بها».

و قد يأتي القبض و البسط في القرآن الكريم  بمعناهما النفسي كما في قوله تعالى : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }  أي نورناه وجعلناه فسيحاً رحيباً واسعاً .. .. وقوله تعالى أيضاً {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }. الأنعام : 125  و لقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ } فقالوا : كيف يشرح صدره يارسول الله ؟ قال : « نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح » فيوسع الله سبحانه و تعالى  قلب من يرد له الهداية للتوحيد والإيمان به .

 أما الحَرَج : جمع حَرَجة  وهي الشجرة الملتفّ بها الأشجار، لا يدخل بينها شيء من النور لشدّة التفافها .. فالصدر الحَرَج هو الأشدّ ضيقاً بحيث لا ينفذ إليه من شدّة ضيقه أية موعظة .. ولا يدخله نور الإيمان .

و هناك صورة أخرى للضيق النفسي في القرآن الكريم وردت في الآية 118 من سورة التوبة { وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ  } .. شعور الندم الممتزج بالخجل الذي يسبق التوبة تسبب لهم بضيق نفسي لدرجة أنهم شعروا و كأن الأرض ضاقت عليهم .

و الله عز و جل هو الذي يبسط السحاب في السماء أي يمده فيكثره وينميه .. يبدأ صغيراً ثم ينمو إلى أن يملأ أرجاء الأفق .. ثم يقبضه فينزل مطراً يصيب به من يشاء من عباده {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } الروم : 48 

و هو الذي ذلل الهواء للطير فطار بجناحيه {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ }  و «صَافّات» أي باسطات أجنحتهن في الهواء عند طيرانها ،  {وَيَقْبِضْنَ} أي يضربن بها جُنُوبَهُنّ َ.

و هو الذي مد الظل و قبضه {أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } الفرقان : 45-46  .

قابض الأرض و باسطها

 تأتي الأرض في القرآن الكريم بثلاثة معاني : إما بمعنى اليابسة التي نحيا عليها من كتل القارات و الجزر ،  أو بمعنى التربة التي تغطي صخور اليابسة  ، أو بمعنى الكوكب ككل .

يقول تعالى في سورة النبأ  {أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَاداً *} أي : بساطا .. ممهدة للخلائق ذلولاً لهم ، فهنا المعنى يشير إلى التربة التي تغطى سطح اليابسة التي نحيا عليها .. و يقول تعالى في سورة الرعد :41

 { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} هنا جاءت الأرض بمعناها الأشمل ، يصح أن تكون الكوكب كما اليابسة و التربة .

 و قبل أن نعرض لصور نقصان الأرض من أطرافها .. نستعرض أولاً آراء علماء السلف في تفسير الآية  ، حيث أول معظمهم الآية بالمعني المعنوي لها ، فقال بعضهم : نقص الأرض من أطرافها يعني موت علمائها وصلحائها. . وقال ٱبن عباسً ومجاهد وٱبن جُرَيج : هو ظهور قوة المسلمين و غلبتهم على مما في أيدي المشركين ، و هو خراب الأرض حتى يكون العمران في ناحية منها؛ كما أنه نقص بركات الأرض وثمارها وأهلها.. .. و كل تلك المعاني جاءت مكملة للمعنى العلمي للآية الكريمة .

إذن .. فما هي مختلف المعاني التي تضفي بعداً علمياً للآية ؟ سنجيب عن هذا التساؤل بأن نعرض مختلف صور نقصان الأرض  من أطرافها و العوامل المعينة على حدوثها ، و التي استعين فيها بشرح الدكتور زغلول النجار ( مجلة الإعجاز العلمي العدد الرابع عشر )  و لنتحدث أولاً عن الأرض اليابسة التي نحيا عليها .. كيف تنقص ؟ :   

1.      نتيجة نحت عوامل التعرية للمرتفعات :

هناك نتوءات عديدة فى سطح الأرض .. و يقابلها انخفاضات ، و هذا هو ما يعين عوامل التعرية المختلفة على بري صخور المرتفعات و إلقائها في منخفضات الأرض في محاولة متكررة لتسوية سطحها ، و هي سنة دائبة من سنن الله تعالى في الأرض . فعندما تسقط مياه الأمطار و تجري في الأنهار ، فإنها تنحت مجاريها ، و كلما زاد النحت إلى أسفل .. ازدادت التضاريس تشكلاً و بروزاً .. إلى أن يصل المجرى المائي إلى المستوى الأدنى من النحت الرأسى العمودى ، تبدأ بعد ذلك المياه الجارية في النحت الجاني الأفقي لمجاريها ، فتتم بذلك التسوية التدريجية للتضاريس على هيئة سهول مستوية تتعرج فيها الأنهار و تتسع مجاريها .. صورة لنقصان الأرض.

2.      نتيجة طغيان مياه البحار و المحيطات على اليابسة :

تبادل الأدوار بين الماء و اليابسة هو سنة كونية من سنن الله سبحانه و تعالى في أرضه .. و هي المعروفة باسم دورة التبادل بين المحيطات و القارات .. حيث تتحول أجزاء من اليابسة إلى بحار ، و التي من نماذجها المعاصرة كل من البحر الأحمر و خليج كالفورنيا و هما من صور نقصان الأرض من أطرافها .

بل إن من الثابت علمياً أن غالبية الماء العذب على اليابسة محجوز على هيئة طبقات من الجليد في قمم الجبال و فوق قطبي الأرض قد يصل سمكها إلى أربعة كيلو مترات ، و بانصهار هذا السمك الجليدي الهائل سيتم رفع منسوب المياه في البحار و المحيطات لأكثر من مائة متر ، و ستغرق أغلب مساحات اليابسة ذات التضاريس المنبسطة حول البحار و المحيطات ، و قد حدث هذا عدة مرات من قبل على مدى التاريخ الطويل للأرض  .. و قد بدأت بالفعل بوادر هذا الإنصهار الذي أعان عليه ارتفاع درجة حرارة مناخ الأرض بتأثير من زيادة التلوث البيئي الناتج من المخلفات الصناعية و الإشعاعية و القنابل و نار الحروب .

كما تؤدي حركة المياه في البحار و المحيطات كالأمواج السطحية و المد و الجزر ( المقدرة بقدر الله )  إلى تآكل صخور الشواطيء و بالتالي إلى انقاص الأرض اليابسة من أطرافها .

أما بخصوص الأرض بمعنى التربة التي تغطي صخور اليابسة ، فيأتى نقصانها من أطرافها نتيجة للتصحر أي زحف الصحراء على المناطق الخضراء و انحسار التربة الصالحة للزراعة ، و اقتلاع الأشجار و تحويل الأراضي الزراعية إلى أراضي بناء  و ندرة المياه ..  و في هذا نقص لخيرات الأرض و ثمارها .

أما بالنسبة للأرض بعنى الكوكب ككل ، فيرجع نقصانها  من أطرافها  لعدة أسباب :

1-  نتيجة لتفلطحها عند القطبين و انبعاجها عند خط الإستواء :-

في القرن السابع عشر الميلادي ، أثبت نيوتن أن تكور الأرض في تناقص مستمر نتيجة لتأثر الأرض بقوتين متضادتين و هما : قوة الجاذبية المركزية و قوة الطرد المركزية الناشئة عن دوران الأرض حول محورها ، فكانت المحصلة  : انبعاج مستمر – لكنه بطيء – عند خط الإستواء حيث تبلغ قوة الطرد المركزية ذروتها ، و تبلغ قوة الجاذبية نحو المركز أدناها .. و في المقابل .. تفلطح ( انبساط ) غير متكافيء عند القطبين حيث تقل قوة الطرد المركزية و تزداد قوة الجاذبية ، بحيث يكون ذلك الإنبساط أو التفلطح عند القطب الشمالي أوسع منه عند القطب الجنوبي .

2-  نتيجة لإنكماشها على ذاتها :-

الأرض تدور حول الشمس كباقي كواكب مجموعتنا الشمسية .. كل في فلكه يسبح .. لا يحيد عنه أو يجنح .

 و تعتمد  المسافة الفاصلة بين الأرض و الشمس ( 150 مليون كيلومتر ) على كتلة كل من الأرض و الشمس ، و عليها تتحدد كمية الطاقة الشمسية القادمة إلى الأرض .. بمعني .. أن كمية الطاقة الشمسية القادمة  تتناسب تناسباً عكسياً مع بعد الكوكب عن الشمس .. و لقد جعل الله سبحانه و تعالى هذا البعد المقدر بحكمة بالغة بيننا و بين الشمس بحيث تكون كمية الطاقة الشمسية هي الأنسب لنا .. لو زادت قليلاً احترقنا .. و ان قلت قليلاً تجمدنا ، و لكن من الثابت علميا أيضاً  أن الشمس تفقد من كتلتها كل ثانية حوالي 5 مليون طن على هيئة طاقة ناتجة من التفاعلات النووية الحادثة في باطن الشمس .. فكيف إذاً تبقى المسافة الفاصلة بينها و بين الأرض ثابتة ؟

 لهذا اقتضت الحكمة الإلهية أن تتناقص كتلة الأرض هي الأخرى بنفس المعدل الذي تتناقص به كتلة الشمس ، و ذلك عن طريق ما يخرج منها من غازات و أبخرة و إشعاعات و بعض الهباءات الصلبة الصغيرة .. تخرج من فوهات البراكين أو من صدوع الأرض .. فيرتد بعضها ثانية إلى الأرض عن طريق الغلاف الجوي .. و البعض الآخر يفلت من جاذبية الأرض إلى عنان السماء .. و بالتالى تنكمش الأرض شيئاً فشيئاً و تتناقص من أطرافها .. بعد أن كان حجمها في أول خلقها  – حسب تقدير العلماء –  يقدر بمائة ضعف الحجم الحالي !!

و من حكمة الله العظيمة .. أن قدر كمية الشهب و النيازك التي تصل الأرض يومياً .. لضبط كتلة الأرض إذا ما زادت كمية المادة المفقودة من الأرض .

3- نتيجة انصهار أطراف قيعان المحيطات تحت كتل القارات :-

تحيط بالغلاف الصخري للأرض احاطة كاملة شبكة هائلة من الصدوع لتقسمه إلي عدة ألواح ؛ 12 لوحاً رئيسياً و عدد من الألواح الصغيرة نسبياً ، و مع دوران الأرض حول محورها تنزلق ألواح الغلاف الصخري للأرض فوق نطاق الضعف الأرضي و هو نطاق لدن .. شبه منصهر .. عالي الكثافة و اللزوجة ، لتتحرك الألواح إما مصطدمة ببعضها البعض أو مبتعدة عن بعضها البعض مما يعين على اندفاع ملايين الأطنان من الصهارة الصخرية عبر مستويات الصدوع إلي الخارج ، فإذا حدث ذلك عبر مستويات صدوع أواسط المحيطات مثلاً ؛ فإن هذا سيؤدي إلى دفع الصهارة الصخرية لجانبي قاع المحيط يمنة و يسرة لعدة سنتيمترات في السنة الواحدة ، و ملء المسافات الناتحة بالصهارة البركانية المتدفقة و التي ما تلبث أن تبرد بعد ذلك ، مما يؤدي إلى اتساع قاع المحيط  و في هذا صورة لانبساط الأرض .. و في المقابل .. تستهلك صخور قاع المحيط بالإنصهار بعد أن تندفع في اتجاه التوسع لتهبط تحت كتل القارات المحيطة في الجانبين بنفس معدل التوسع بالتساوي في جانبي قاع المحيط .. لتنصهر في نطاق الضعف الأرضي .. صورة لنقص الأرض من أطرافها .. .. و بتكرار انزلاق ألواح الغلاف الصخري للأرض .. تظل ألواح الغلاف الصخري للأرض تستهلك عند خطوط التصادم ، و تتجدد عند خطوط التباعد .. صوراً لقبض الله تعالى لأرضه و بسطه لها .

قابض الزمان و باسطه

 

الزمان من خلق الله سبحانه و تعالى .. يبدله الله ..  يقبضه و يبسطه كيف يشاء .. و لا يتغير به الله .

و زماننا على كوكب الأرض نقيسه باليوم و هو المدة الزمنية اللازمة للأرض كي تتم دورة واحدة حول محورها ، و يومنا مقسم إلى 24 ساعة x 60   دقيقة x 60 ثانية و هذا هو ما اعتدنا عليه . لكنه كان أقل من ذلك بكثير في بداية خلق الأرض  قبل 4 مليارات سنة ، فقد كان لا يتعدى 4 ساعات ، لأن سرعة دوران الأرض حول محورها كانت عالية للغاية ، و هذه الحقيقة العلمية أشار إليها القرآن الكريم من قبل أكثر من ألف و أربعمائة سنة سابقاً بذلك كل المعارف الإنسانية ، حيث يقول المولى عز و جل فى سورة الأعراف الآية 54  { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } و هنا أشار الله تعالى إلى حركة دوران الأرض حول محورها بالإشارة إلى إغشاء الليل بالنهار ، فلولا دوران الأرض لما تبادل الليل و النهار ، كما يدل معنى ( يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ) إلى السرعة الفائقة لدوران الأرض .. ..  ثم بدأت حركة الأرض فى التباطؤ المستمر  حتى وصلت إلى ماهى عليه الآن رحمة من الله تعالى بنا حيث لم يخلق الإنسان إلا بعد أن تساوى الليل مع النهار تقريباً حيث يزيد طول  النهار قليلاً فى الصيف و يقل قليلاً فى الشتاء .. ..أما السنة على الأرض فهى المدة الزمنية التي تستغرقها الأرض كي تتم دورة واحدة حول الشمس و هي حوالي 365 يوماً ..  هذا عن الأرض .. فماذا عن الكواكب الأخرى القريبة منا ؟ الأمر طبعاً مختلف .. فمثلاً يوم كوكب عطارد يعادل 59 يوماً من أيامنا أما سنته فتعادل 88 يوماً .. أما كوكب المشتري فقصر يومه إلى 10 ساعات فقط بينما طالت سنته إلى حوالي 12 سنة من سنيننا !!

و كما هو معلوم فإن كل شيء في الكون متحرك  و لا وجود للسكون المطلق .. ما تراه ساكناً فهو في حقيقته متحرك .. و لقد أشار الله عز وجل إلى هذه الحقيقة في قوله ( و ترى الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب ) فالمكان دائماً مقدار متغير و نسبي ..  فلا وجود للمكان المطلق .

و كل متحرك يحمل زمنه معه ، و لهذا فإن الزمان مرتبط بالمكان .. فهما متلازمان .. مدمجان فيما يسمى بالزمكان  space-time  كما أسماهما أينشتين ، فلا مكان بدون زمان و لا زمان بدون مكان  .. .. و كما يقول أينشتين أيضاً إن نسبية المكان لابد و أن تؤدي إلى نسبية الزمان أيضاً  ..  فهو متغير .. يختلف .. باختلاف حركة الراصد و المرصود و مكانهما و سرعتهما .. فلا وجود للزمان المطلق .. ما تراه من نجوم في السماء في الحاضر هي في حقيقتها صورة لها من الماضي ،  و قد تمر عليك لحظات سعيدة .. ينكمش فيها الزمن ..  تمر سريعة .. وهى نفس اللحظات التي تمر بغيرك .. قد تكون لحظات خوف أو مرض .. أو انتظار .. فيشعر بثقلها و طولها و كأنها الدهر .. فنحن نشعر بالزمن النفسي .. نشعر بانقباضه و انبساطه علينا  .. مع انها هي هي عقارب نفس الساعة تتحرك .. لم يصبها عطل .

تأمل فريقي كرة القدم في آخر لحظات الشوط الثاني من المباراه .. تأملهما .. أحدهما فائز تمر عليه اللحظات الثقال خوفاً من احراز الفريق الآخر هدفاً يقلب الموازين .. .. أما الفريق الخاسر فتمر عليه اللحظات سريعة ترقباً لسماع صافرة الحكم الذي يرتدي ساعة تتحرك عقاربها بإيقاع ثابت يمر دون زيادة أو نقصان . 

و الزمن يتأثر بقوة الجاذبية ، فكلما ثقل الشيء وزناً .. كلما زادت قوة جاذبيته و بالتالي تباطأ زمنه بالنسبة لزمن شيء آخر أخف منه وزناً و بالتالي أقل منه جاذبيةً .. .. كما يتباطأ الزمن و يتمدد  حسب السرعة .. فكلما زادت السرعة تباطأ الزمن ، بمعنى أن حادثاً في الكون قد يكون ماضياً بالنسبة لمشاهد ، و حاضراً لمشاهد آخر و مستقبلاً لمشاهد ثالث ، و ذلك إذا اختلفت سرعة كل من المشاهدين الثلاثة بالنسبة للمكان الذي يقع فيه الحادث ، و إذا اختلفت أبعادهم عن موقعه .

حتى إذا تحركنا بسرعة الضوء .. عندها يتوقف الزمن فيساوي صفراً ، و حينها يمكنك أن تقوم بأي رحلة في صفر من الزمان .. كما حدث لرسول الله صلى الله عليه و سلم في رحلة الإسراء و المعراج النورانية الذي عاد منها في لا زمن و فراشه كان ما يزال دافئاً  .. .. و كما جيء بعرش بلقيس من اليمن إلى القدس في لا زمان تقريباً { قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }  النمل

فسبحن من قبض الزمان تكريماً لرسله الكرام .

و القرآن الكريم يلفتنا إلى نسبية الزمان في قصة أصحاب الكهف { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً * فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } الكهف 10-12  لقد لبثوا في كهفهم 309 عاماً .. بسط الله تعالى خلالها من رحمته عليهم .. مرت عليهم كأنها يوماً أو بعض يوم { ...ْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } بينما  قبض الله الزمان عليهم فلم تظهر عليهم علامات الشيخوخة داخل الكهف ، أما خارجه .. فالزمان مبسوط ..  يمر .. أناس يولدون و يموتون .

فالله سبحانه و تعالى هو وحده الذي بيده الدهر .. يقلب الليل و النهار كيف يشاء .. و القرآن الكريم يؤكد لنا هذه القاعدة الإيمانية في سورة البقرة الآية 259 حيث قال عز و جل { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

لقد اختلف المفسرون في تحديد هوية الشخص المقصود هنا في الآية .. و الأغلب أنه عزير .. و عموماً أياً كان المقصود .. فهنا يضرب الله تعالى لنا مثلاً لطلاقة قدرته في الإحاطة بالزمان .. فيصف لنا قصة رجل  مر على قرية بيت المقدس بعد تخريب بختنصر لها و قتل أهلها ، و فرار الناجين منها فأصبحت خالية .. خاوية على عروشها ، و كان معه شرابه و طعامه من تين و عنب و معه حماره أيضاُ ، فقال ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) مع يقينه بقدرة الله سبحانه و تعالى في إحياء الموتى ، (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ) كانت قد عادت خلالها الحياه إلى بيت المقدس بعد 70 عاماً من موته فعمرت و رجع ما بقي من أهلها إليها .

فهنا  .. بسط الله تعالى الزمان على باقي الأحياء في أنحاء الأرض ... بينما قبضه على عزير و ما معه في هذه البقعة من الأرض المباركة ،  كما قبض عليهم أرواحهم ..  بينما أبقى الحياة في الطعام فلم يصبه عفن أو عطب .. ( ثم بعثه ) فبسط  الله عليه حياته مرة أخرى ، بل و أراه كيف تعود الحياة لمن مات و بلي حسده .

و في سياق حديثنا عن صور قبض الله تعالى للزمان و بسطه له .. أود التذكير بإحدى كبريات علامات الساعة ألا وهي ظهور الدجال ، الذي سيمكث في الأرض لمدة أربعين يوماً كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح الذي رواه مسلم ، فيكون يوماً كسنة و يوماً كشهر و يوماً كجمعة و سائر أيامه كأيامنا .. أما إسراعه في الأرض فسيكون كسرعة الغيث الذي استدبرته الريح .. سيطوي الله تعالى له الزمان ليكون فتنة .. يميز الله بها الخبيث من الطيب .

إذن .. فزماننا نسبي دائماً .. متغير .. يختلف .. باختلاف حركة الراصد و المرصود و مكانهما و سرعتهما .. فلا وجود للزمان المطلق .. بينما علم الله مطلق .. محيط بالزمان و المكان .

 

و ختاماً .. أعرض صورة من صور قدرة الله سبحانه و تعالى على قبض المكان و بسطه .. بدون تعليق .

 عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعه وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فأنطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة ).  رواه مسلم

 

هالة أحمد فؤاد

عضو المجمع العلمي لأبحاث القرآن الكريم و السنة         

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسى الموقع
و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أى مادة دون إذن مسبق من مشرفى الموقع
لمراسلتنا إضغط هنا

 لاتنسونا فى دعواتكم

 

الصفحة الرئيسية

عن الموقع

تأملات

إعجاز علمــى

أبناؤنــا

سبحان الله

قطـــوف

حديث قدســى

دعـــاء

مواقع للزيارة

سجل الضيوف