الواحــــــــة

 

الكون يشهد لله بصفاته

الحــكـيـــم

   

منذ أن بدأت فى كتابة سلسلة مقالات الكون يشهد لله بصفاته ، منذ ذلك ااوقت  وأنا أنوى الكتابة عن اسم الله الحكيم ، و لكنى كلما قررت البدء فى الكتابه و جدتنى بتأجيل الكتابة و أقول  لعلنى لو قرأت أكثر و تأملت أكثر لكان ذلك أفضل ، و لكم أن تتخيلوا مدى المسئولية التى تقع على عاتقى  حين أكتب عن هذا الإسم العظيم ، فحكمة الله تعالى نراها وراء كل ما حولنا ، و قد ندرك أحياناً جزء منها و لا نستطيع إدراكها كاملة .. ... إلى أن قرأت كتاب " التصوير الفنى فى القرآن " لسيد قطب رحمه الله ، و حينها قررت البدء فى الكتابة عن اسم الله الحكيم .. ؛ و قد يسأل سائل ما العلاقة بين ذلك ا الكتاب و بين مقالى هذا ؟ ذلك  لأنى و جدت من خلال قراءتى لهذا الكتاب الذى يتحدث عن الإعجاز البيانى للقرآن الكريم ، أنه يتحدث إذاً عن الله سبحانه و تعالى الحكيم فى أقواله ؛ و هذا المعنى هو معنى جزئى من المعنى الكامل ... لأن الحكيم هو الذى يضع الأشياء فى محلها بحكمته و عدله.. فهو تعالى الحكيم فى أقواله .. فى أفعاله .. فى أحكامه.. له الحكم فلا يجور و لا يظلم أحداً (1)

                                                      

                                                       الله الحكيم فى أقواله

 

إن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى الذى أنزله عن طريق الوحى على قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم ،     و أكرر .. و أكرر .. بأنه المعجزة الباقيه إلى قيام الساعة ، و إن من أوجه إعجازه التى لا تحصى هو إعجازه البيانى .. هذا الإعجاز الذى تحدى الله تعالى به العرب و هم من برعوا فى شتى أنواع الشعر و البلاغة ، تحداهم ان يأتوا و لو بآية من مثله فعجزوا عن ذلك .. .. هذا الإعجاز الذى هو فى صميم النظم القرآنى نفسه .. فهو نظم ليس على بحور الشعر و لا على طريقة السجع .. خارج عن المعهود من نظام جميع منا عرفه العرب فى القديم و الحديث .. له أسلوبه الخاص الذى لا يشاركه فيه أحد فى كل ما هو فى بلاغة العرب (2)

فالحرف فيه له معنى ليست الكلمة بحسب .. فلا يمكن أ توضع كلمة فى القرآن مكان كلمة أخرى أو حرف مكان حرف .

و لقد تحدث كثير من علماء اللغة عن هذا الموضوع منهم الإمام الباقلانى رحمه الله و الزمخشرى ، كذلك تحدث عبد القادر الجرجانى فى كتابه دلائل الإعجاز ، و من المحدثين سيد قطب و الشيخ الشعراوى رحمهم الله  و مؤخراً الدكتور طارق السويدان أطال الله فى عمره .

و دون أن أطيل سأعطى بعض الأمثلة من أجمل ما قيل فى هذا الموضوع ، فنحن ذكرنا سابقاً بأن القرآن ليس سجعاً ، و السجع  هو إنهاء الكلام بنفس القافية ، و هنا إقرأ معى النسق القرآنى فى سورة المدثر و لاحظ معى الفرق  ( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ  ) ...  فهنا تغيرت النهاية ، للفت الإنتباه إلى أن الموضوع قد تغير ، و هذه خاصية من خصائص القرآن الكريم و هى تغيير النهايات للتنبيه بأن الموضوع نفسه قد تغير .. و هذا ما لم يعهده العرب من قبل .

 مثال آخر : نلاحظ فى أكثر من موضع فى القرآن الكريم  اقتران كلمة الظلمات مع كلمة النور كما فى الآية الأولى من سورة الأنعام  {الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}

فلماذا لم تكون الظلمات و الأنوار ؟ لأنها هى حقاً ظلمات عديدة ، ظلمات العقل و القلب و الأفعال و الأقوال و المشاعر ... و لكنه نور واحد .. من الله الواحد .

ثم اقرأ معى قول الله تعالى على لسان إخوة يوسف و هم يلومون أباهم على حزنه لفراق ابنه يوسف عليه السلام  {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} يوسف : 85

فجيء بأندر الألفاظ استعمالاً فى اللغة لوصف هذه الحالة النادرة بداية ً بالقسم ( تالله ) و هى الأقل استعمالاً فى القسم ، ثم بأقل أخوات كان استعمالاً أيضاً ( تفتأ) ، ثم حرضاً و هى أيضاً اقل معانى كلمة هلاك استعمالاً .. فهذا كله ليشعرك بأن الحالة غريبة .. غريبة فى كل شىء .

و اسمع معى جرس هذه الكلمات عند النطق بها ( وسواس ) .. و تكرار الواو ثم السين .. أبلغ تعبير عن الهمس الشيطانى الذى يكون مخفياً غير مسموع .. و لكنه عميق فى الصدور !

و كذلك كلمة  ( صرصر ) جاءت لوصف الريح الصرصر العاتية .. ها أنت الآن و كأنك تسمع صوتها المدوي!

فتكرار الحروف فى الكلمة الواحدة يدل على تكرار الفعل مرات عديدة .. كما فى هو أيضاً فى كلمة (  زلزلة ) كم هو يصور الهزة الشديدة .

و للتأكيد على أن الرسالة المحمدية جاءت لتكون ناسخة لما قبلها ، و أنها الرسالة الخاتمة ، قال تعالى ( وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) سبأ:28

فمن درس منا قواعد التجويد يعلم بأن المد فى كلمة (كَآفَّةً ) هو مد لازم مثقل كلمى بمقدار 6 حركات و هو أطول أنواع المدود فى القرآن الكريم ؛ فالقارىء لكلمة (كَآفَّةً) بهذا المد يستشعر هذا المعنى .. بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرسل للعرب فقط و لكنه صلى الله عليه وسلم أرسل للناس.. .. كل الناس.. من عاصروه و من أتوا من بعده .. و من سيأتون من بعدهم حتى يرث الله تعالى الأرض و من عليها.

 

و اسمع معي كذلك هذه الآية الكريمة ( فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ ) يعنى صيحة يوم القيامة التى تصخ الآدان أى تصمها فلا تسمع... ألا تشعر حين تسمع كلمة (الصَّآخَّةُ) بأنك تريد أن تسد أذنيك لما لهذه الكلمة من صوت عال تحدثه فى الأذن ؟ .. كل هذا الإحساس فى كلمة واحدة !

 

و من أساليب القرآن المفضلة أسلوب التصوير..  هذا الأسلوب الذى وصفه  سيد قطب رحمه الله قائلاً : هو الأسلوب الذى  يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني و الحالة النفسية و عن النموذج الإنساني  ؛ ثم يرتقى بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحركة المتجددة .. فإذا المعنى الذهنى هيئة أو حركة .. و إذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد .. و إذا النموذج الإنساني شاخص حي .. و أما الحوادث و المشاهد و القصص فيردها شاخصة حاضرة فيها الحياة و الحركة فإذا أضاف إليها الحوار فقد استوت لها كل عناصر التخيل  ؛ و لتوضيح هذا المعنى  سنعطى  بعض الأمثلة على ذلك : -

يقول تعالى ( وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ )

 انظر .. فهو فى لمحة .. يخر من السماء .. من حيث لا  منبت و لا جذور ؛ فلا يستقر على الأرض لحظة  لأن الطير سيخطفه .. أو إن الريح لتهوى به فى مكان سحــيـــــــــــــق، و اسمع ثانية: سحــيـــــــــــــق.. فجاءت الصورة بالتعبير المحس لوصف من يشرك بالله بأنه ليس له منبت أو قرار أو امتداد .

 

وجاء  لوصف من لا يعرف ربه إلا فى ساعة الشدة فقط ؛ حتى إذا جاءه الفرج فإنه ينسى الله تعالى الذي فرج عنه ، فى سورة يونس يقول تعالى ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ  )

فهكذا تشعر و أنت تقرأهذه الآية بمدى تأرجح هذا النموذج الإنساني بين الخير و الشر .. بين شكر النعمة و كفرانها .. كأنما تشاهده وهو يتأرجح مع تماوج السفينة .. مع اضطرابها !!

و قد يأتى القرآن بمعنى حسى و يشخصه كقوله تعالى ( وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ) الأعراف : 154؛  فهذا هو  الغضب كأنه  شخص يتحدث ألى موسى عليه السلام . ..  ... وهذا هو الصبح يتنفس (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) فتتحول الحياة من  بعد ليل هادىء إلى نشاط و حركة .. فهو يتنفس فتتنفس معه الحياه.

و فى الصورة المحسة المتخيلة تأتى الألفاظ  متناسقة مع بعضها البعض و مثال ذلك حين عبر القرآن عن الأرض قبل نزول المطر و قبل تفتحها بالنبات مرة بأنها ( هامدة ) و مرة أخرى بأنها ( خاشعة ) و قد يفهم البعض أن هذا مجرد تنويع  فى التعبير ، فلننظر كيف وردت هاتان الصورتان فى سياقين مختلفين على هذا النحو :

 1- وردت ( هامدة ) فى  ( يأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ  ) الحج : 5

 

          2- وردت ( خاشعة )  فى سورة فصلت (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * فَإِنِ اسْتَكْبَرُواْ فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِيۤ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )

فالمتأمل فى هذين السياقين يتبين له أن كلمة ( هامدة ) جاءت فى جو بعث و إحياء و إخراج ؛ فالأرض هناك تكون هامدة ثم تهتز و تربو ثم تنبت من كل زوج بهيج .

أما  السياق الثانى  فهو جو خشوع و عبادة و سجود .. يتناسب مع تصوير الأرض بأنها خاشعة فإذا أنزل عليها الماء اهتزت و ربت .. فسبحان الله منزل الكتاب .

أما أسلوب  التصوير القرآنى للقصة فلا يقل إعجازاً عما سبق ، و فيه يقول سيد قطب رحمه الله  تعالى:  

 ان التعبير القرآني للقصة  يتناول جميع المشاهد و المناظر  فتصبح للقصة  و كأنها حادثاً يقع أمام عينيك  لا قصة تروى .

و لقد ذكر لنا عدة أمثلة لتوضيح هذا المعنى  و أنسب ما يذكر منها فى مقام حديثنا عن اسم الله الحكيم هى   سورة الكهف .. و جو الغموض الذى يحيط بها  بدءاً من اسمها .. الكهف .. ذلك المكان المخبأ فى الجبل و الذى تستشعر حين قربك منه بأنك قادم على غيب مجهول ..  ترى أتخوض فيه أم تتروى قليلاً ؟

وأنت حين تقرأ سورة الكهف تشعر و كأنك تدخل عدة كهوف فى كل منها  قصة مختلفة  ،  أولها قصة أصحاب الكهف التى نعرفها جيداً ، فلقد وردت تفاصيل قصتهم قبل دخولهم الكهف و سبب فرارهم من قومهم  ، يقول تعالى  { وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطا ً(14 ) هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15)  وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً  (16)  } .. ثم  جاء تصوير لشكل الحياه داخل و خارج  الكهف كما يلى  (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ  ) لاحظ الأسلوب القرآنى الفريد كيف أبرز الصورة بالإضاءة.. فأنت ترى حركة الشمس و هى ( تزاور ) عن الكهف عند مطلعها فلا تضيئه ثم  تجاوزهم عند مغيبها فلا تقع عليهم .. ثم أنت كأنك  تراهم ( و هم فى فجوة منه ) .. ثم كيف يتحركون (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلبُهُمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشمَالِ) و صف دقيق .. معجز .. زمنه  محسوب بدقة تستشعر فيه مضي السنين  .. تلو السنين  و هم نيام لا يشعرون بذلك .. ...   فإذا بهم أحياء بعد ذلك يتساءلون  فيما بينهم .. خائفون  من أن ينفضح أمرهم   ، ثم تنقلنا الآيات  إلى مشهد القوم خارج الكهف و هم يتنازعون و يتشاورون فى شأنهم (إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً) فهنا نفهم أن أصحاب الكهف قد ماتوا دون أن  يذكر لنا القرآن حتى  كم عددهم .. فهم  ذهبوا بعد أن تمت الحكمة الدينية من بعثهم .. فليوكل سرهم إلى الله  .. ليبقى هناك سر فى القصة قائم  بينهم و بين ربهم الذى إلتجوءا إليه داخل الكهف !

 

ثم تنتقل بنا الآيات  و كأنها تنقلنا إلى كهف آخر .. به قصة أخرى .. و حكمة أخرى أيضاً ..  قصة صاحب الجنتين الذى لم يؤدى شكر النعمة  .. فكان جزاؤه الخسران ، فهنا حكمة  نخرج بها من هذا الكهف ، و هى أن نتعلم أن ننسب النعمة للمنعم سبحانه و نشكره عليها و نؤدى حقها و لا ننسبها لأنفسنا .

 

ثم تنتقل بنا الآيات إلى قصة أخرى نعرفها جميعاً ألا و هى قصة موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام  و لعلها تكون أنسب خاتمة لموضوعنا هذا ، فالقصة يغلب عليها جو من الغموض .. تملؤها المفاجآت ... فها هو ذا موسى عليه السلام يريد أن يلقى الرجل الموعود الذى آتاه الله تعالى رحمة و علماً  ، فيمضى فى طريقه و لكن الفتى ينسى غداءهما عند الصخرة و كأنما نسيه لحكمة أرادها الله تعالى .. نسيه  ليعودا فيجدا هذا الرجل الصالح هناك ، ثم يطلب منه موسى عليه السلام أن يتبعه على أن يعلمه بعض العلم الذى أعطاه الله تعالى إياه ، فيرد عليه هذا العبد الصالح بأنه سوف لا يستطيع معه صبرا لسبب منطقى  و هو (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ) ، ثم يمضيان فى طريقهما .. (فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا )  فيعترض موسى عليه السلام ثم يتذكر وعده .. ثم يمضيان إلى قصة الغلام  (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ ).. ثم إعتراض ثان من موسى عليه السلام ثم يتذكر الوعد .. ثم يمضيان إلى قصة الجدار  (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ) .. ثم الإعتراض الأخير من موسى عليه السلام ليكون سبباً للفراق ،  فهنا الجو كله غامض حتى هذه اللحظة ، فمن يقرأ الآيات لأول مرة لا يعرف من هو هذا الرجل الذى يتصرف تلك التصرفات العجيبة و لا ينبئنا القرآن عن اسمه ، تكملة للجو الغامض الذى يحيط بنا .. و لما الإسم  ؟  فهو يراد به أن يمثل حكمة الغيب الكبرى .. التى تهدف إلى أغراض بعيدة لا تراها العين المحدودة ؛ فعدم ذكر الإسم يتفق مع الشخصية المعنوية التى يمثلها (3 )  ؛ ثم يبدأ السر فى التجلى شيئاً فشيئاً .. و يبدأ هذا العبد الصالح يعطى تفسيراً لكل ما حدث شيئاً فشيئاً .. ثم يقول فى النهاية  (  وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً)  ثم يختفى هذا الرجل ؛ فهو كما أتى من المجهول .. مضى إلى المجهول ؛ فالقصة تمثل الحكمة الكبرى و هى التى لا يكشف  سرها بمقدار إلا الله تعالى ، و القصة أيضاً تعلمنا أن لا نعترض على قدر الله  لأننا لا نعلم حقيقة ماهى  الحكمة من ورائه .

 

إعجاز المنطق

فى زمن طغت فيه الماديات ، و كثر فيه الجدل فى كل شىء حتى فى ثوابت ديننا الإسلامى الحنيف ؛ و فتحت فيه بعض الفضائيات أبوابها لمن يلبسون الحق بالباطل .. ويتقنون ذلك جيداً ..  لزعزعة عقيدة المسلم الصحيحة و النيل منها .. تلك أمانيهم ..  نعم  .. أمانيهم .. فهذا ما علمه لنا القرآن الكريم .. كلام الله المعجز .. علمنا كيف نرد على من يجادل بالباطل .. كيف نرد عليه بالمنطق و الحكمة .. و بالدليل أيضاً ..  و هذا اعجاز قرآنى آخر .. اعجاز المنطق .

و دون أن أطيل  ؛ سأعرض بعض صور هذا الإعجاز القرآنى حسب ترتيب ورودها فى المصحف الشريف .. حتى نتعلم سوياً كيف يكون الحوار المنطقى .. .. و حتى يعلم غيرنا أننا أصحاب حجة قوية لعقيدة راسخة  .

يقول تعالى فى سورة البقرة على لسان بنى اسرائيل  (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً )

فكان الجواب (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) البقرة: 80

و قال تعالى ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) البقرة: 91

و لم ادعوا بأن الجنة لهم وحدهم .. فكان الجواب القرآنى : ( قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) البقرة: 94

وقال تعالى فى هذا أيضاً :  ( وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين * َ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) ‏البقرة: 111 - 112

أما لمن فروا من الزحف مخافة  الموت ( الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) آل عمران : 168

و لمن أشركوا بالله سبحانه و تعالى  يقول الله عنهم   ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) المائدة: 17

 و يقول تعالى لمن يكفر به و يجحد بآياته ، فيذكره الله تعالى بأنه لن يلجأ إلا إليه ساعة العذاب بقوله تعالى :  ( قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ) الأنعام :40- 41

وقال تعالى لمن أنكروا وحدانيته و ادعوا  أن معه آلهة ( قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً ) الإسراء : 42

و لمن أنكروا البعث و أنهم إلى الله تعالى راجعون  ، قال تعالى :  ( بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ * قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ  ) ‏المؤمنون : 81- 89 

 و دعى الله سبحانه و تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه و سلم و كل مسلم لأن يرد على كل من نسب لله تعالى الولد و عبده بأن يقول : (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ * سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) الزخرف:81- 82

 و اقرأ معى  هذا الرد البليغ على من :  ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) الحجرات : 17

و لمن تريد تذكيرهم بفضل الله و نعمه و أنه هو وحده بيده ملكوت كل شىء ، فذكرهم بقوله عز من قائل :     ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ ) ‏الملك : 30

                                                                                         

                                              الله الحكيم فى أفعاله

 

الحكيم – كما أشرنا سابقاً – هو الذى يضع الشىء فى موضعه النافع ..  يضع الشىء المناسب  فى المكان المناسب فى الوقت المناسب ، و لما كان  المنهج الإلهى الذى أتى به رسولنا الكريم - صلوات الله تعالى و سلامه عليه - هو دليلنا إلى  ما فيه خير ديننا و دنيانا  لأنه منزل من لدن إله حكيم  .. فلهذا جاء وصف النبوية بأنها الحكمة .

فالسنة هى المنهج العملى لما جاء عن الله عز و جل فى كتابه العزيز مصحوبا بالتفسير ، بمعنى أن الله تعالى أوحى سورة معينة قد تكون محتاجة إلى فقه  تفسير لبعض آياتها و محتاجة إلى التطبيق العملى .. كذلك العبادات و الفروض قد تحتاج إلى مزيد من التوضيح .. مثلاً : نحن  فرضت علينا خمس صلوات و لكن كيفية أدائها و عدد ركعاتها وشروطها و واجباتها .. ،  كذلك  أسلوب معاملة الناس لبعضهم البعض فى شتى المواقف ... علاقتنا بخالقنا كيف يجب أن تكون .. كيف ندعوه .. و ما هى أفضل أوقات الدعاء .. أمور كثيرة كان لابد لها  من شرح و توضيح و تطبيق عملى من الرسول صلى الله عليه و سلم  .

لأن الرسول صلى الله عليه و سلم أساس مهمته أن يبين للناس ما نزل إليهم باللسان و بالعمل .

 إذن  السنة النبوية عبارة عن توضيح للقرآن و تطبيقه .. و لذلك يشار للسنة بأنها الحكمة لأن الحكمة هى وضع الشىء  فى موضعه ، و لا نضع الشىء فى موضعه إلا بالتفسير الواضح و بالبيان العملى حتى يتضح و يتأكد ، لذلك كانت السنة النبوية هي  الحكمة الموحى بها مع القرآن الكريم .

و إليكم بعض  حكم الرسول صلى الله عليه و سلم : " لا تغضب " _ " يسروا و لا تعسروا ، و بشروا و لا تنفروا " – " إن الله رفيق ، يحب الرفق فى الأمر كله" – " الحياء من الإيمان " – " الكلمة الطيبة صدقة " – " إذا لبستم و إذا توضأتم فابدأوا بأيمانكم " – " أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً " – " يأيها الناس افشوا السلام ، و أطعموا الطعام ، و صلوا الأرحام ، و صلوا و الناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام " – " إذا دخلت على أهلك فسلم ، يكن بركة عليك و على أهل بيتك " – " من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه " .

فالأنبياء جميعهم ..  مفهَّمون، وموفَّقون لإصابة الصواب في بعض الأمور، والنبوّة بعض معاني الحكمة ، و لهذا يقول المولى عز و جل : { ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً  }   39 :  الإسراء .

 {ذلِكَ مِـمَّا أَوْحَى إلَـيْكَ رَبُّكَ } يا محمد صلى الله عليه وسلم { مِنَ الْـحِكْمَةِ} من  الموعظة كالأمر بمحاسن الأعمال، ومكارم الأخلاق، والنهي عن أراذل الأخلاق، وأسوإ الأعمال

وهذه الأعمال المذكورة في الآيات التى سبقت تلك الآية الكريمة هى  من الحكمة العالية، التي أوحاها رب العالمين لسيد المرسلين، في أشرف الكتب، ليأمر بها أفضل الأمم، فهي من الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيراً كثيراً.

 

يؤتى الحكمة لمن يشاء

و الله سبحانه و تعالى يعطى الحكمة لمن يشاء من عباده ، بقول تعالى {يُؤّتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ } البقرة : 269

و الحكمة هنا أى الإصابة في القول والفعل ... يؤتيها الله تعالى  لمن يشاء من عباده، ومن يؤته الله ذلك فقد آتاه خيراً كثيراً.

لأنك لو أعطاك الله تعالى مالاً بلا حكمة لضيعته .. و إن أعطاك صحة بلا حكمة لفرطت فيها .. فالنعمة بلا حكمة كانت حسرة و نقمة عليك (4).

ولقد كان لقمان  من أشهر من  أعطاهم الله تعالى الحكمة ، فقال تعالى عنه  {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } لقمان : 12

و لقد اختلف السلف في لقمان: هل كان نبياً أو عبداً صالحاً من غير نبوة ؟ و لقد أجمع أكثرهم على أنه لم يكن نبياً،  فقد قال  ابن عباس : كان لقمان عبداً حبشياً نجاراً، وقال سعيد بن المسيب: كان لقمان من سودان مصر، ذا مشافر، أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة.

و جاء عن  ابن جرير:  كان لقمان عبداً حبشياً نجاراً، فقال له مولاه: اذبح لنا هذه الشاه، فذبحها، قال: أخرج أطيب مضغتين فيها، فأخرج اللسان والقلب، ثم مكث ما شاء الله، ثم قال: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها، قال: أخرج أخبث مضغتين فيها فأخرج اللسان والقلب، فقال له مولاه: أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها، فأخرجتهما، وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فيها، فأخرجتهما ؟ فقال لقمان:إنه ليس من شيء أطيب منهماإذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.

و قال مجاهد: كان لقمان الحكيم عبداً حبشياً،  قاضياً على بني إسرائيل، وذكر غيره أنه كان قاضياً على بني إسرائيل في زمان داود عليه السلام.

 وقال ابن جرير أيضاً : إن الله رفع لقمان الحكيم بحكمته، فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك، فقال له: ألست عبد بني فلان الذي كنت ترعى بالأمس ؟ قال: بلى، قال: فما بلغ بك ما أرى ؟ قال: قدر الله، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، وتركي ما لا يعنيني .

وقال قتادة فى تفسير {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ } : أي الفقه في الإسلام ، و قال مـجاهد،: أى الفقه والعقل والإصابة فـي القول من غير نُبوّة  ، لأن الإصابة في الأمور – و هى من الحكمة -  إنما تكون عن فهم بها وعلم ومعرفة.

 

و لكن ، كيف يستقى المؤمن حكمته ؟

و الجواب هو أننا مادمنا قد آمنا بأن الله تعالى هو الحكيم فى أقواله و أفعاله .. و هو الأعلم بحكمة كل شىء فى الوجود ، و آمنا أيضاً بأن منهج الله تعالى الذى أوحاه  إلى رسوله الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم من القرآن و السنة ، هو المنهج الحكيم .. حتى و إن لم نعلم الحكمة من كل شىء فيه .. إذن ، فأنت باتباعك لما جاء فى كتاب الله سبحانه و تعالى  و فى سنه نبيه صلى الله عليه و سلم تكون بذلك قد قطفت ثمار الحكمة  .

ذلك أن المؤمن بالله تعالى كلما ازداد علماً ازداد إيماناً .. و كلما ازداد إيماناً ازدادا تواضعاً .. و كلما ازداد تواضعاً كان حقاً على الله تعالى أن يعطيه الحكمة ، فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " ما من آدمى إلا فى رأسه حكمة بيد ملك ، فإن تواضع قيل للملك إرفع حكمته ، و إذا تكبر قيل للملك ضع حكمته "  حديث صحيح

 

بعض الحكم الإلهية

 دعونا نستخلص معاً بعض الحكم اإلهية لكثير من ألحداث و السنن الكونية ، و سأستعين فى هذا بآراء بعض

العلماء أو سأحاول أن الإجتهاد لمعرفة الحكمة ، فما يكون لى من توفيق فمن الله تعالى ، و ما يكون من زلل أو نقص فمن نفسى فأسال الله تعالى الغفران  ... و لنبدأ من مرحلة ما قبل خلق آدم عليه السلام ، منذ أن خلق الله سبحانه السموات و الأرض فى ستة أيام .. فما الحكمة من ذلك ؟

و قبل أن نجيب ، لابد أن نلتفت إلى شىء هام جداً ، و هو أن الله سبحانه و تعالى حين خلق كل شىء من العدم كان ذلك بكلمة ( كن ) .. بكن فقط يخلق الله تعالى الشىء من العدم .. ثم يمر الخلق بعد ذلك بمراحل مختلفة أو دعونا نستخدم التعبير القرآنى البليغ ( أطوار ) .. كل شىء خلق فى أطوار ، فالأرض مرت بمراحل عديدة حتى وصلت إلى شكلها الحالى و إلى تركيبتها الحالية .. و الحياة عليها أيضاً مرت بمراحل عديدة بدأت بالكائنات الدقيقة ثم الأكثر .. فالأكثر رقياً – لا أقول تطوراً – بل أقول خلقاً فى مراحل ، أى مرحلة .. ثم تلتها مرحلة أخرى و هكذا .. فكل هذا كان لازماً لبناء الغلاف الجوى للأرض ليكون ملائماً لاستقبال الإنسان للعيش على الأرض بعد ذلك .. فهذه حكمة

لكن هناك حكمة أخرى قبل هذه ، و هى أن الله تعالى يريد أن يعلمنا بأنه منذ أن خلق السموات و الأرض و بدأت الحياة الدنيا ، فإن هناك فى الدنيا سنناً لله تعالى لا تتبدل و لاتتغير ، و من هذه السنن هى الخلق فى أطوار،  لنعلم أن الله تعالى هو الذى خلق الأسباب و المسببات ، و علينا الأخذ بالأسباب ، فمن يأخذ بالأسباب تعطيه الأسباب و لا تفرق حينها بين مؤمن و كافر ...  فلا ننتظر المعجزات ، و لنتعلم من هذا أيضاً الصبر .. فلا نستعجل الخير  .

و آدم عليه السلام خلقه الله تعالى أيضاً فى أطوار ( تراب ثم طين لازب ثم صلصال ثم حمأ مسنون ثم فخار ثم نفخ فيه الروح ) ، ثم خلق منه زوجته ، ثم ابتلاهما بالشجرة و حذرهما من الأكل منها و لم يدلهما على السبب و فى ذلك تدريب لهما و لذريتهما أجمعين على الإمتثال لأمر الله عز و جل حتى و إن لم نفهم المغزى منه .. ولكننا يجب أن نعرف فقط بأننا بامتثالنا لأمر الله تعالى تكون سعادتنا، فحين لم يمتثل آدم  عليه السلام هو و زوجه  للأمر الإلهى فكان العقاب الإلهى  بأن هبطا من الجنة .. من النعيم المقيم .. إلى الأرض حيث الكد و التعب .. فكان عليه أن يأكل من صنع يديه .. و يلبس من غزل يديه .. و يصطاد .. و .. أن يأخذ بالأسباب ، فالله تعالى كان قد أعد حينها التربة لتكون صالحة للزراعة .. و سخر لهما الدواب التى يستعملونها و يأخذا من لحمها و لبنها و صوفها ، و كان لابد لأن تكون لهما ذرية تخلفهما  فى عمارة الأرض ، و لا يتأتى هذا إلا بالأسباب التى خلقها الله تعالى ، من الذكر و الأنثى معاً تأتى الذرية فى أطوار أيضاً ..  من نطفة ثم من علقة ثم مضغة ثم تكسى العظام لحماً و جلداً ثم يولد طفلاً .

إذاً فالحكمة من خلق الإنسان  هى عبادة الله تعالى و عمارة الأرض .

 

  الحكمة من ثبات السنن الكونية

فالشمس تشرق كل يوم ثم تغرب ..... و الماء ينزل من السماء فيسقى الأرض و الحرث و يملأ الأنهار و البحار ..و قوى التجاذب و التنافر كما هى ..  و الهواء من حولنا يمدنا بالأكسجين اللازم كل يوم ... و نحن لا نملك كل هذا ،  و لا نقدر على أن نمنع الشمس مثلا من الشروق يوماً أو أن نجمع الهواء و نبيعه فى زجاجات فنحن لا نقدر لا على هذا و لا ذاك ، فالله سبحانه و تعالى أعفانا من كل ذلك ، و لا حتى الشمس تستطيع أن تحرقنا ... و لا البحار أن تغرقنا  إلا بأمر من الله تعالى  ، فالكون كله مسخر لخدمتنا ،  حتى نعلم يقيناً بأن للكون خالق قدير يسخر هذا الكون .. قيوم ..  يمسك السموات و الأرض أن تزولا .. ، و  حتى يطمئن الإنسان على أسباب بقائه فى الحياة و يتفرغ لما خلق له فلا  ينشغل بالكون عن خالق الكون .

 

  حكمة خلق الحياة و الموت :

خلق الله تعالى الموت و الحياة  ليبلونا }  الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} الملك: 2

 فالحياه هى دار اختبار للإيمان و العمل ..  و الإنسان اختار أن يعطى حرية الإختيار ( الأمانة ) بين أن يعبد الله تعالى فيدخل الجنة ، و بين أن لا يعبد الله تعالى فيدخل النار و العياذ بالله .. فكان لزاماً عليه أن يبرهن على ذلك بأن  يمر  باختيار عملى ..   يبرهن فيه على إيمانه بالله ..  بأن يعمل الصالحات وفقاً للمنهج الصحيح الذى جاء به رسل الله و أنبياؤه .. فجميعهم دعوا إلى توحيد الله و عدم الشرك به ، فمن اتبع هذا المنهج سار على الطريق المؤدى به إلى الخلود فى الجنة ،  و لكن هذا الطريق غير معبد .. فهو ملىء بالعقبات ، و أولها الشيطان  .. إبليس الذى وسوس لآدم عليه السلام و وعده بشجرة الخلد و بالملك الذى لا يبلى .. مدعياً أنه له ناصح أمين .. و ذلك ليخرجه من الجنة حسداً  .

 

 

حكمة خلق الشيطان

 الشيطان من الجن ، و كل من الإنس و الجن خلق لعبادة الله تعالى ، و لكن هناك كما ذكرنا سابقا عقبات يبتلى الله تعالى  بها الإنسان فى حياته الدنيا ليميز بها الخبيث من الطيب -  و هو سبحانه أعلم بنا من أنفسنا ، و لكن لنكون نحن شهداء على أنفسنا -  و الشيطان هو أحد هذه العقبات ، و لكن الله سبحانه و تعالى برحمته و حكمته أعطانا أسباب الوقاية من الشيطان :-

  •  أولها أنه سبحانه لم يعط الشيطان قوة القهر ليقهرنا على العصيان ، و لا حتى قوة الإقناع لنقتنع بالمعصية ، يقول تعالى  { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} الحجر:  42 .
  • و ثانيها دوام ذكر الله تعالى و المحافظة على العبادات و الطاعات .
  • و ثالثها التوبة النصوح التى تسد على الشيطان كل المنافذ و الثغرات .

 

حكمة نزول القرآن منجماً

قال ابن عبـاس: أنزل الله تعالى  القرآن إلـى السماء الدنـيا جملة واحدة  فـي لـيـلة القدر فهو قوله:} إنَّا أنْزَلْنَاهُ فِـي لَـيْـلَةِ القَدْرِ {،  فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه .. يقول تعالى {وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ }  لأنه نزل على الرسول صلى الله عليه و سلم منجماً ..   مفرقاً على الوقائع بحسب ما يحتاج العباد إليه في  معاشهم ومعادهم، وأما الكتب السابقة ، فكانت تنزل جملة واحدة .

و يقول تعالى أيضاً {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً * وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَق وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً )  الفرقان : 32-33

و الآية فى تفسير ابن كثير : يقول تعالى مخبراً عن كثرة اعتراض الكفار وتعنتهم وكلامهم فيما لا يعنيهم، حيث قالوا {لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءانُ جُمْلَةً وٰحِدَةً } أي هلا أنزل عليه هذا الكتاب الذي أوحي إليه جملة واحدة، كما نزلت الكتب قبله جملة واحدة، كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب الإلهية، فأجابهم الله تعالى عن ذلك بأنه إنما نزل منجماً في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث، وما يحتاج إليه من الأحكام ليثبت قلوب المؤمنين به، ولهذا قال {لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ { ، } وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } أى : بيناه  وفسرناه تفسيراً ، {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ } أي لا يأتونك  بحجة وشبهة {إِلاَّ جِئْنَـٰكَ بِالْحَقّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } أي ولا يقولون قولاً يعارضون به الحق، إلا أجبناهم بما هو الحق في نفس الأمر وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم، فتثبيت قلب الرسول صلى الله تعالى عليه و سلم و المؤمنين معه يكون بالرد الإلهى أى بالقرآن الذى كان ينزل به الروح الأمين ، رداً عل ادعاءات و افتراءات الكفار و المشركين . 

 

سنريهم آياتنا فى الآفاق

والله سبحانه و تعالى أعطى الإنسان خاصية - له دون غيره من المخلوقات –  و هى القدرة على أن يرث العلم و يضيف إليه على مر السنين ، فكلما جاء جيل من بعد جيل ، كشف الله تعالى  له بعض أسراره التى وضعها فى كونه ، و التى يستعملها الإنسان لرقى حضارته .. .. كذلك يتيح الله سبحانه و تعالى للإنسان جيلاً من بعد جيل يتيح له الفرصة لاكتشاف ظواهر و كائنات و حتى بعض الآثار القديمة كانت يوماً ما تعد غيباً عنا و لكنها الآن أصبحت واقعاً ملموساً ، فمثلا ، قبل اختراع الميكروسكوبات لم يكن أحد يعلم شيئاً عن الميكروبات و الفيروسات .. لا يعلم شكلها و لا طريقة  تكاثرها ..  لم  يكن أحد يعرف ما هى الخلية .. و ما هى مكوناتها ، و لكن هل هذا ينفى وجود كل هذه الأشياء  قبل اختراع الميكروسكوب ؟ طبعاً هذا لا ينفى  وجودها .. و لكن الله سبحانه و تعالى بحكمته و رحمته أراد بهذا أن يؤكد لنا على قضية الإيمان بالغيب .. ليثبت لنا أن ما هو غيب عنا و لا نراه هو موجود و لكننا لا ندركه .

                        

ميعاد الأجل غيب

الفرار من الموت مستحيل . و الموت له أجل محدد .. لا يتأخر دقيقة و لا يتقدم .. و لقد ستر الله تعالى سبب الموت و زمنه حتى لا يفهم أحد أنها عملية ميكانيكية .. يولد الإنسان ثم يتقدم به العمر فيموت .. أى أن هناك زمناً محدداً لحياة كل فرد فينا .. نولد فإذا بلغنا الستين أو السبعين نموت .. و لذلك فإن طلاقة قدرة الله تعالى  قد جعلت الموت بلا أسباب .. فقد يموت الجنين فى بطن أمه .. و قد يموت الإنسان بسبب المرض فى أى عمر .. أو حتى بلا سبب (6).

  كذلك لا يدرى كل منا أين يموت ..  فهذا كله  يحدث بأمر الله تعالى . . لحكمة .. أرادها الله تعالى و هى أنه بحجب ميعاد الأجل عن كل منا ، فإن هذا يجعلنا نتوقع الموت فى أى لحظة و نحسب لهذا حساب فنخشى أن نلقى اله تعالى و نحن على معصيتة .. و نحب أن نلقاه عز و جل و نحن على طاعته .   

 

  قوانين النوم غير قوانين اليقظة

العلم يقول : إن أقصى مدة يشتغل فيها العقل أثناء النوم هى سبع عشرة ثانية ، و مع ذلك فإن الإنسان يرى أحلاماً – لكى يرويها – قد يحتاج إلى ساعة أو أكثر(5)

و قد ترى أشياء غريبة لا يمكن أن تحدث فى الحياة .. و أماكن لم تذهب إليها قط فى حياتك .. و قد تتحدث باتقان لغة لم يسبق لك أن تعلمتها .. و معنى هذا أنك انتقلت من قانون إلى قانون آخر ، فالإنسان حين ينتقل من اليقظة إلى النوم فإنه ينتقل إلى عالم الموت ، و يخضع لقوانين هذا العالم الغيبى .. يخضع لقوانين عالم البرزخ الذى لا إحساس فيه بالزمن .. فهو حينها يكون خارج حدود الزمان ، فقد قال الرسول صلى الله عليه و سلم " و الله إنكم لتموتن كما تنامون و لتبعثن كما تستيقظون " ، و الله سبحانه و تعالى يرينا هذا كل يوم حتى يعلم كل منا يقيناً بأنه من الممكن أن ينتقل من قانون إلى قانون آخر و من عالم إلى عالم آخر ، و ليقرب الله سبحانه و تعالى لأذهاننا  أيضاً صورة حياة البرزخ .. حياة ما بعد الموت ..  التى تكون هى المقدمة للحياة الآخرة .      

 

الحكمة من الدار الآخرة

انتهت الدنيا .. و قوانينها .. و اسبابها .. و أناسها .. انتهت بحلوها و مرها .. بسلطانها و ملوكها .. فلا ملك اليوم  إلا الله الواحد  {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} غافر:16

فكما علمنا المولى عز و جل ، بأن للدنيا سنن و أسباب و مسببات ، و أن علينا الأخذ بالأسباب ، أما فى الدار الآخرة فلا سنن و لا أسباب ، و إنما الأمر كله لله تعالى

و من صفات الله تعالى أنه الحكم العدل .. له الحكم فلا يجور و لا يظلم .. و هذه أيضاً إحدى معانى اسم الله الحكيم  ، و حكمه العدل يقتضى أن يقتص للمظلوم من الظالم  ، و قد يموت المظلوم و لم يأخذ حقه من الظالم ، أو قد يموت الظالم قبل أن يرد للمظلوم حقه .. و من هنا شاءت ارادة الله عز وجل بأن تكون هناك دار آخرة .. يأخذ فيها كل صاحب حق حقه .. و ينال فيها الظالم عقابه .. و أكبر ظلم هو عدم الإيمان بالله واتخاذ شريك له.

كذلك جعلت الدار الآخرة  دار جزاء للمؤمنين .. كل بحسب عمله {هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ} الرحمن .. حتى يطمئن المؤمن فى الدنيا  لعقيدته و لعمله الصالح .. فلا يحقرن من المعروف شيئا .. و ليعلم بأن الكلمة الطيبة هى الباقية .. و إن أعظم كلمة طيبة يمكن أن تقال هى كلمة التوحيد .. كلمة لا إله إلا الله .. تقال بالقلب و اللسان .. و تصدق بالعمل .

يقول الله تعالى  {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ * تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}   إبراهيم : 23-25

 

قال ابن عباس في قوله {وَمَثلُ كَلِمَةٍ طَيّبَةً } هى  شهادة أن لا إله إلا الله { كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ } وهو المؤمن، {أَصْلُهَا ثَابِتٌ } يقول: لا إله إلا الله في قلب المؤمن، {وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاء } يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء.

 وقال الضحاك وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد : إن ذلك عبارة عن عمل المؤمن، وقوله الطيب، وعمله الصالح، وإن المؤمن كشجرة من النخل التى لا يسقط ورقها ( كما شبهه الرسول الله صلى الله عليه و سلم ) لا يزال يرفع له عمله الصالح في كل حين ووقت .

 

 

المراجع :

1- مختصر الفقه الإسلامى – محمد ابراهيم التويجرى –بيت الأفكار الدولية – الطبعة الرابعة 2002

2- إعجاز القرآن – د. طارق السويدان – قرطبة 

3- التصوير الفن فى القرآن – سيد قطب – دار الشروق

4- أسماء الله الحسنى – النابلسى

5-  الحياة و الموت- الشيخ محمد متولى الشعراوى

6- القضاء و القدر - الشيخ محمد متولى الشعراوى

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسى الموقع
و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أى مادة دون إذن مسبق من مشرفى الموقع
 

 لاتنسونا فى دعواتك

 

الصفحة الرئيسية

عن الموقع

تأملات

إعجاز علمــى

أبناؤنــا

سبحان الله

قطـــوف

حديث قدســى

دعـــاء

مواقع للزيارة

سجل الضيوف