الواحــــــــة

( وجعلوا له من عباده جزءا )

 هالة أحمـــد فؤاد

إن العقل البشري يستطيع أن يهتدي إلى حتمية وجود خالق مدبر لهذا الكون .. لكنه لا يستطيع أن يهتدي إلى معرفة ذات خالقه .. فمن هو ؟ .. ما هى طبيعة علاقته بمخلوقاته ؟ و كيف يكون العبد موصولاً بخالقه عز و جل ؟

هنا لابد من وحي إلهى يجيب عن كل تلك التساؤلات ، و من هنا كانت مهمة الأنبياء و الرسل الذين بعثهم الله جميعاً برسالة التوحيد .

لكن من يعطي لخياله الحق أن يتدخل و يجيب عن تلك التساؤلات .. هنا لابد و أن يضل .. لماذا ؟ لأن الخيال مرتبط بكل ما له علاقة بالحواس الخمس ، أما ما عدا ذلك فلا إعمال للخيال فيه .

و لأننا إذا حاولنا تصور ذات الله العلية ، فسوف ننسب إلى الله تعالى صفات بعض مخلوقاته أو أى صفات أخري لم ينسبها الله سبحانه و تعالى لنفسه . مثلاً .. تروج بعض الفرق الضالة لفكرة الإتحاد بالله - تعالى الله عما يصفون – بادعائهم إمكانية فناء الإنسان في الله أو ارتقائه حتى يصل في لحظات معينة إلى الحضرة الإلهية !! و هذه الفكرة الوثنية قديمة ، ظهرت أول ما ظهرت فى الفلسفات الهندية القديمة و لا تزال تعرف حتى الآن عند البوذيين بحالة النيرفانا .

و كذلك تمارس اليوجا الآن للأسف الشديد على أنها رياضة روحية و بدنية جهلا بجذورها الفلسفية الهندوسية ، حيث أنها من الشعائر التعبدية المهمة لدى الهندوس التي يتبعونها لتسهيل اتحادهم بالإله وفق زعمهم ، ولهذا أصدرت دار الإفتاء المصرية مؤخرا فتوى تحرم رياضة " اليوجا " بإعتبارها مخالفة للشريعة الإسلامية وجاء في نص الفتوى " أن اليوجا من طرق التنسك الهندوسية ولا يجوز اتخاذها طريقاً للرياضة أو للعبادة". ثم روج آخرون بعد الترجمات العديدة للفلسفات الوثنية اليونانية و الهندية و الفارسية القديمة ، روجوا لفكرة الإتحاد بالله و لكن بطريقة أخرى .. ألا و هي حلول الإله في خلقه !! و الحلول لغةً هو النزول كما يقال حَلَّ بالمكان يحلُّ حلولاً أي نزل فيه .. لكن الكلمة لها دلالات واسعة ، اختلفت بحسب اختلاف المِلل والنِّحل .. ففى أنماط العبادة الطوطمية يعنى الحلول : وجود قوى إلهية أو روحية - فائقة للطبيعة- فى حيوانٍ أو إنسان .. .. وفى عقيدة التناسخ ، فيعنى الحلول انتقال الروح الإلهى فى الكائنات الإنسانية عند موت إنسان وميلاد آخر .. .. و يرى آخرون أنَّ الإله قد حَلَّ فى العالم، حتى أصبح الإله غير متجاوزٍ للعالم ، متوحِّداً معه ومن ثَمَّ أصبح الإله والطبيعة والإنسان شيئاً واحداً ، أى أن ثنائيات : الخالق والمخلوق ، الإنسان والطبيعة ، الكل والجزء ، العام والخاص .. كلها تم إلغاؤها لتظهر الواحدية الكونية المادية .

 الحلول عند اليهود

أما الحلول عند اليهود فيقول عنه د. عبد الوهاب المسيري في موسوعته التي كتبها عن اليهود و اليهودية و الصهيونية : أنَّ عبادة يسرائيل التى تعود إلى الديانات السامية القديمة - وهى ديانات حلولية - والتى ترتبط أيضاً بعبادة الأسلاف ، هى الأصل الذى رفضه إبراهيم عليه السلام ، وألغاه موسى عليه السلام بميثاقه مع الرب، ومن ثمَّ خطى التوحيد خطىً واسعة بين العبرانيين، ولكن العبادةَ لم تكن توحيديَّةً خالصة .. فقد عبدوا العجل الذهبى .. وحينما تسلَّل العبرانيون إلى كنعان (فلسطين) تراجع التوحيد عدة درجات ، وبدأت الرؤية الحلولية تترسَّخ .. وقد انتهت عبادة يسرائيل بهدم الهيكل (70 ميلادية) .

ثم تطورَّ النسق الدينى اليهودى بعيداً عن العبادة اليسرائيلية .. فبعد أن عاش اليهودُ بين أهل الديانات التوحيدية كالإسلام والمسيحية ، لم يعد التوحيد اتجاهاً مميِّزاً لهم ، ولذا بحث الحاخامات عن استراتيجيات مختلفة للحفاظ على الهوية ، حتى تغلَّبت النزعة الأسطورية الشعبية، وأخذت شكلها الحلولى .. ولعبت القَبَّالاه ( الصوفية الباطنية اليهودية ) دوراً حاسماً فى تحويل اليهودية من نسق توحيدى إلى نسقٍ حلولى كمونى ( و يقصد بالكمون : رؤية الله فى الأشياء ، بمعنى أنه -تعالى- كامنٌ فى خلقه ) ... و هو نسق متطرف يساوى بين الإله والطبيعة ، بحيث يصبح الإله هو الطبيعة ، ويتم إلغاء التاريخ ويتركَّز الحلول الإلهى فى الشعب اليهودى .

و لهذا تجلَّت الحلولية بوضوح فى الفكر اليهودي بظهور فكرة الشعب المختار.. حيث يرون أن الإله يحلُّ فيهم ، ولهذا فهم -حسب ظنهم- يتمتعَّون بقداسةٍ خاصة تعزلهم عن المجتمع .

الحلول عند النصارى

و الحلول عند بعض النصارى أصبح يعنى الاتحاد بين الإله والإنسان ، بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما هو عين الإشارة إلى الآخر . وقد ظهرت هذه المسألةٌ فى التراث المسيحى بوضوح حتى أن بعضهم يسيء فهم قول الله تعالى: { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه } (النساء:171) و يتخذها دليلاً على أن القرآن الكريم يشهد بألوهية المسيح وبنوته .. إذ هو جزء منه بنص الآية، فهو كلمة الله الموجودة منذ الأزل ، وهو روح منه !! المسيح عيسى .. .. ( كلمة الله ) أهم أسباب تحريف الدين هو الفهم الخاطيء لنصوص الأيات ، و الأمثلة على ذلك كثيرة منها التفسير الخاطيء لقوله تعالى فى سورة النساء : 171 { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه } حيث اتخذها بعض النصاري دليلاً على أن القرآن الكريم يشهد بألوهية المسيح وبنوته .. إذ هو جزء منه بنص الآية، فهو كلمة الله الموجودة منذ الأزل ، وهو روح منه !! و قبل الرد على هؤلاء نقول لهم إننا لابد و أن نتفق جميعاً أولاً على أن أى صفة تنسب لله تعالى لابد و أن يكون الله وحده هو الذي وصف بها نفسه .. فلا يستطيع أي شخص أن ينسب إلى الله تعالى أى صفة لم ينسبها الله لنفسه .. و الله سبحانه و تعالى وصف نفسه بالوحدانية فى قوله عز و جل ( قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد و لم يولد . و لم يكن له كفواً أحد ) ، فهو تعالى ليس مركباً من أجزاء و لا مكوناً من جزيئات أو أفراد . ثم لابد و أنهم يتفقون معنا أيضاً فى أن الله تعالي قديم .. أزلي لم يسبقه عدم ، و بذلك فإن ذات الله العلية هى ذات واجبة الوجود ليست حادثة و لم يوجدها موجد

نأتى بعد ذلك لشرح معنى( كلمته ) أى كلمة الله و هى مركبة من مضاف ومضاف إليه ، وإذا كان الأمر كذلك فإما أن نقول أن كل مضاف لله تعالى ورد ذكره فى القرآن الكريم أو فى صحيح السنة يكون صفة من صفات الله التى وصف بها نفسه فهو إذن يكون غير مخلوق ، أو نقول: إن كل مضاف لله ليس صفة من صفاته أى هو مخلوق . فإذا قلنا إن كل مضاف لله هو صفة من صفاته، وبالتالى فهو غير مخلوق، فإننا سنصطدم بآيات في القرآن، وكذلك بنصوص في الإنجيل، يضاف فيها الشيء إلى الله، وهو ليس صفة من صفاته، بل هو مخلوق من مخلوقاته، كما في قوله تعالى: { ناقة الله } وكما نقول: بيت الله، وأرض الله، وغير ذلك.

وإذا عكسنا القضية وقلنا: إن كل مضاف لله مخلوق، فإننا كذلك سنصطدم بآيات ونصوص أخرى؛ كما نقول: علم الله، وحياة الله، وقدرة الله. إذن لا بد من التفريق بين ما يضاف إلى الله تعالى . فإذا كان ما يضاف إلى الله شيئًا غير منفصل عنه ، و هو صفة من صفاته تعالى التى وصف بها نفسه ، فيكون من باب إضافة الصفة إلى الموصوف لأن الصفة تابعة للموصوف ولا تقوم إلا به .. ومن البديهي أن يكون هذا غير مخلوق ، أما إذا كان ما يضاف إلى الله تعالى شيئاً قائماً بذاته منفصلاً عنه كالناقة والبيت والأرض أي ليس صفة من صفات الله التي وصف بها نفسه.. أو يأتي أيضاً من باب إطلاق المصدر و إرادة المفعول كما نقول: هذا خلق الله، ونعني مخلوق الله، لأن خلق الله نفسه فعل من أفعاله، لكن المراد هنا المفعول أي المخلوق، ومثل ما نقول أيضًا: أتى أمر الله أي ما أمر الله به يعني المأمور، ، وليس نفس الأمر، فإن الأمر فعل من الله تعالى .. فكل مضاف لله تعالى من مثل ذلك يكون مخلوق ، وتكون إضافته إلى الله تعالى من باب التشريف والتكريم .. ..

إذن فما المقصود ب ( كلمته ) ؟ إذا قلنا أنها جاءت من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، لأن الكلام هو من صفات الله الأزلية القائمة بذاته تعالى ، فـ ( الكلمة ) هي صفة الله تعالى.. لكن من قال بأن المسيح عليه السلام هو الكلمة ذاتها ؟ إذا سلمنا بأن المسيح هو ( الكلمة ) وهو الخالق ، فكيف يليق بالخالق أن يُلقى ؟! إن الخالق لابد و أن يكون أزلي .. لم يسبقه عدم و لا يلقيه شيء بل هو يلقي غيره، فلو كان خالقًا لَمَا أُُلقي، ولَمَا قال الله { وكلمته ألقاها } .. و لكن معنى الآية أن كلمة الله - التي هي صفته - ألقاها إلى مريم عليها السلام لتحمل بعيسى عليه السلام، وهذه الكلمة هي الأمر الكوني الذي يخلق الله به مخلوقاته وهي كلمة: { كن} و التى لم يختص الله تعالى بها عيسى عليه السلام فقط و لكن كل الخلق بدأ بكلمة : كن ، ولهذا قال تعالى في خلق آدم: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } (آل عمران:59) فكما خُلِق آدم بكلمة: { كن} فكذلك عيسى عليه السلام خُلق بهذه ( الكلمة ) وليس هو ( الكلمة ) نفسها . وأما إذا كان قوله ( كلمته ) هو من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فـهنا تكون من باب إطلاق المصدر على المفعول كما سبق و أشرنا ، فكما يسمى المأمور أمرًا، فكذلك يسمى المخلوق بالكلمة ( كلمة ) فالمعنى المقصود إذن هو أن عيسى هو المخلوق بكلمة كن .

 نأتي لتفسير الجزء الثاني من الآية و شرح لمعنى قوله تعالى: { وروح منه } .. فهو أيضاً ليس فيه أية دلالة على ألوهية المسيح أو بنوته .. أو أن عيسى عليه السلام جزء من الله تعالى، أو أن جزءًا من الله سبحانه و تعالى قد حلَّ فيه ؛ لأننا هنا أمام احتمالين : إما أن هذه ( الروح ) غير مخلوقة أي أنها من ذات الله ( سبحانه و تعالى ) .. .. أو إنها مخلوقة ؛ فإذا كانت هذه الروح غير مخلوقة، فهل يصح عقلاً أن تنفصل عن الله تعالى لتتجسد في انسان ؟ و في هذا ادعاء بالتجزء والتبعض على الخالق جل وعلا و هو ما نفاه الله سبحانه و تعالى عن نفسه بقوله ( قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد و لم يولد . و لم يكن له كفواً أحد ) .. كما أن الحياة و هي من صفات الله الأزليه لا تعنى أن لله تعالي روح تخلع عليه حياته ، فالروح تخلع الحياة على المخلوق فقط لا على الخالق لأن الخالق لا يموت .

أما إذا كانت الروح مخلوقة، فإما أن يكون الله سبحانه و تعالى خلقها في ذاته ثم انفصلت عنه، .. أو خلقها الله سبحانه و تعالى في غير ذاته أي منفصلة عنه ؛ فإذا كانت الروح مخلوقة وخلقها الله في ذاته ثم انفصلت عنه، فهذا معناه تجويز إحداث الحوادث المخلوقة في ذات الله سبحانه، و هذا يتنافي و كمال ألوهية الله لأن الألوهية تستلزم البعد عن كل النقائص و التي منها إحداث الحوادث ، و لكن الله سبحانه و تعالى منزه عن كل نقص .. لا يتغير و لا يموت و لا تأخذه سنة و لا نوم و هذا هو جوهر التوحيد . أما إذا كانت الروح مخلوقة وخلقها الله في غير ذاته .. منفصلة عنه ، فهذا معناه أن الله تعالى خلق الروح، ثم نفخها في مريم، ليتم بذلك خلق عيسى عليه السلام ومولده ، وهذا هو ما يقبله العقل و تقبله الفطرة السليمة . و إذا كان قوله تعالى { وروح منه } يعنى بنوة عيسى عليه السلام و ألوهيته ، فلم لم تنسب هذه البنوة و الألوهية لآدم عليه السلام حيث قال الله تعالى فيه : { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي } (الحجر:29) فإذا كان قوله سبحانه: { من روحي} في حق آدم معناه الروح المخلوقة، وأن هذه الروح ليست من ذات الله عز وجل ، فهي كذلك في حق عيسى، إذ أن اللفظ واحد .. و لو كان معنى { منه} أي: جزء من الله، لكانت السماوات والأرض وكل مخلوق من مخلوقات الله جزءاً من الله ؛ ألم يقل الله تعالى: { وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه } (الجاثية:13) .. إن معنى { منه } وفق السياق القرآني ، أي: منه إيجادًا وخلقًا .. من أمر الله .. و لهذا يقرر القرآن الكريم في هذا الموضع وفي غيره بشرية المسيح عليه السلام، حيث قال تعالى عنه { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله } فهو ابن مريم، وليس ابن الله، وهو رسول الله، وليس هو الله .

الحلول عند بعض المسلمين

 و بعد أن أوضحنا بعض المفاهيم الحلولية المنتشرة الآن فى مختلف الأديان ، يجب أن نشير إلى أن الدين الإسلامى - وجوهره التوحيد - يضادُّ تلك المفاهيم الحلولية .. فتوحيد الله سبحانه و تعالى يعني الإيمان بأنه إلهٍ واحدٍ ، قادرٍ ، قائمٍ بذاته ، واجبِ الوجود ، منزَّهٍ عن الطبيعة والتاريخ والإنسان ، مفارقٍ للكون.. بائنٍ عن خلقه ، مباين لهم في صفاته، مغايرٍ للحوادث .. مدبر للكون .. ليس كمثله شيء . كما يجب أن نؤمن بأن الناس جميعاً .. مؤمنين و غير ذلك .. هم على صلة بالله تعالى .. فهو ربنا الذي خلقنا و يرزقنا و يهدينا ، يسمعنا و يرانا ، يقبض و يبسط .. .. أما المؤمن فهو – اضافة لما سبق - على صلة خاصة بالله عز و جل فهو ناصره و مؤيده و حبيبه و مدافع عنه . لكن ثمة فرق كبير بين معنى صلة .. و إتصال ، فبعض المسلمين للأسف حدث عندهم خلط بين المعنيين ، ففسروا معنى الصلة بالإتصال ، و حلول الإيمان بحلول الذات .. و اعتقدوا بامكانية اتحاد الإنسان مع الله ، ليصبح الإنسان بهذا مساو لله في صفاته .. فهو يشفي و يرزق و يتصرف في حركة الكون !!

 و أيدوا بذلك فكرة الحلول الإلهي _ الوثنية _ أو الفناء في ذات الله ( تعالى الله عما يصفون ) ، و أساؤوا فهم بعض الآيات و الأحاديث الشريفة بل و اتخذوها حجة لهم .. مثلاً .. قول الله تعالى : {إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ... } وقوله عز وجل: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } و لهذا سنوضح لهم المعنى الصحيح لبعض الآيات و الأحاديث بمالا ينافى جوهر التوحيد :

قول الله تعالى: {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ} أى أن بيعتهم لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم إنما هي بيعة لله لأن الرسول صلى الله عليه و سلم يأمر بما يأمر الله و ينهى عما ينهى عنه الله ، و يحب ما يحبه الله و يبغض ما يبغضه الله ، و يؤكد ذلك المعنى قول الله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ} (النساء: 08)، إذاً فمن بايع الرسول فقد بايع الله .. .. أما قوله عز وجل: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } فلم يقل الله تعالى : وأنا أقرب إليه من حبل الوريد وإنما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } يعني ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه كما قال {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } يعني ملائكته .

و نأتي لتفسير بعض الأحاديث القدسية التي أسيء فهمها ، و منها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إن الله عز و جل قال : أنا مع عبدي ما ذكرني و تحركت بي شفتاه .) ليس فيه ما يشير إلى أي معني للحلول الإلهي ، و لكن معناه أى تحركت بذكر الله شفتاه. إذا فهمنا المعاني الصحيحة لما سبق ، لأصبح من السهل علينا الفهم الصحيح لهذا الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحة: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يقول الله عز و جل يوم القيامة : ( يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال : أي رب كيف أعودك و أنت رب العالمين . فيقول : أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده أما علمت أنك لوعدته وجدتني عنده . و يقول : يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني فيقول : أي رب و كيف أطعمك و أنت رب العالمين قال : يقول : أما علمت أن عبدي فلاناً جاءك يستطعمك فلم تطعمه ، أما علمت أن لو أطعمته وجدت ذلك عندي . و يقول : يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني . قال : فيقول : أي رب و كيف أسقيك و أنت رب العالمين . قال : أما علمت أن عبدي فلاناً جاءك فاستسقاك فلم تسقه ، أما علمت لو سقيته وجدت ذلك عندي.) .

هنا الحديث القدسي أسند فيه الله سبحانه و تعالى المرض و الإطعام و السقيا إليه من باب التشريف للمؤمن فقط و ليس لأي إنسان ، كقوله تعالى { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } فهل يستطيع أحد أن يخدع الله و هو العالم بالسرائر والضمائر ؟ و لكن الله تعالى جعل مخادعة المؤمنين هى مخادعة لله .. تشريفاً و تكريماً لهم ، و هنا يجب أن نذكر بأن الله سبحانه و تعالى وحده الذي يملك أن ينسب لنفسه ما يشاء ، كما أنه يقسم بما يشاء ، أما نحن فلا حق لنا في ذلك .

أما من يحتج بالحديث القدسي : " عبدي، أطِعْنِي أجْعَلْكَ رَبَّانِيًّا تقولُ للشيءِ: كُنْ. فيكونُ " فيقول لشيخ عبد الله الصديق الغماري و هو من علماء الأزهر: هذا الحديث غير موجود لا في صحيح البخاريِّ ولا في بقية كتب السنة، لأنه حديث موضوع لم يُخرَِّّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } .

هالة أحمد فؤاد

عضو المجمع العلمي لأبحاث القرآن الكريم و السنة

 

جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسى الموقع
و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أى مادة دون إذن مسبق من مشرفى الموقع
لمراسلتنا إضغط هنا

 لاتنسونا فى دعواتكم

 

الصفحة الرئيسية

عن الموقع

تأملات

إعجاز علمــى

أبناؤنــا

سبحان الله

قطـــوف

حديث قدســى

دعـــاء

مواقع للزيارة

سجل الضيوف