الواحــــــــة

 

أطوار الجنين فى أربعين يوماً

 هالة أحمـــد فؤاد

 

فى السنوات القليلة الماضية أفتى بعض علمائنا بجواز إجهاض الجنين و إسقاطه خلال الشهور الأربعة الأولى من عمره بلا ضرورة ملحة لاعتبارهم أن حياته فى هذه الفترة حسب فهمهم حياة نباتية لم تنفخ فيها الروح الإنسانية بعد, و أن زمن أطوار الجنين الأولى (النطفة و العلقة و المضغة ) مدته مائة و عشرون يوماً بناءاً على فهم منطوق حديث جمع الخلق الذي رواه الإمام البخارى و غيره , عن عبد الله بن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم (و هو الصادق الأمين ) قال : (إن أحدكم يجمع فى بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك, ثم يبعث الله ملكاً يؤمر بأربع كلمات و يقال له : أكتب عمله و رزقه و شقى أم سعيد ثم ينفخ فيه الروح ) .

و بما أن الحديث قد أشار إلى نفخ الروح فى الجنين يحدث بعد إنتهاء زمن طور المضغة أى بعد نهاية الأربعين الثالثة (حسب هذا الفهم ) فعليه كانت هذه الفتوى , وقد ترسخ هذا الفهم عند البعض حتى أصبح كأنه حقيقة شرعية , لكن هذا المفهوم لزمن أطوار الجنين الأولى قد ثبت يقيناً اليوم أنه يتعارض مع الحقائق العلمية المعتمدة فى علم الأجنة الحديث مما جعل بعض المحاربين للإسلام يشككون فى السنة المحمدية و العياذ بالله . و عليه قام فريق من الباحثين الإسلاميين فى هيئة الإعجاز العلمى وعلى رأسهم فضيلة الشيخ عبد المجيد الزندانى باعداد بحث لبيان الحقيقة فى هذه القضية ونشره فى مجلة الإعجاز العلمى الصادرة عن الهيئة فى عددها الثامن بقلم د. عبد الجواد الصاوى وقد اعتمد البحث فى منهجه على ثلاثة محاور :

الدراسة الموضوعية لجميع نصوص القرآن و السنة الواردة فى هذا الموضوع .

وصف أطوار الجنين من خلال فهم الدلالات اللغوية و أقوال المفسرين للألفاظ و الآيات القرآنية ثم للحقائق العلمية فى علم الأجنة البشرية .

نفخ الروح فى الجنين يجب أن يخضع فهمه أساساً للنصوص الشرعية .

و قد أثبت البحث أن، الوصف القرآنى لأطوار الجنين الأولى و شرح المفسرين لها و التحديد الزمنى الدقيق لها فى السنة النبوية المطهرة تتوافق و الحقائق العلمية فى علم الأجنة الحديث , و أن الأطوار الثلاثة الأولى (النطفة و العلقة و المضغة ) كلها تقع فى أربعين يوماً واحدة فقط !

لنتحدث أولاً عن الوصف القرآنى الكريم لهذه الأطوار , قال تعالى فى سورة المؤمنون : ( و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين . ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين . ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشاناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) . صدق الله العظيم .

لنتحدث بإيجاز عن كل طور منهم :

طور النطفة

النطفة هى الماء القليل و لو قطرة و هى تطلق على منى الرجل و منى المرأة وفى الحديث : (من كل يخلق من نطفة الرجل و نطفة المرأة ) رواه مسلم , و قد سماها المولى نطفة أمشاج , قال تعالى فى سورة الإنسان ( إنا خلقناه من نطفة أمشاج نبتليه ). و قد عرف الفسرون النطفة الأمشاج بأنها النطفة المختلطة التى إمتزج و إختلط فيها ماء الرجل بماء المرأة و تعرف فى العلم بالبيضة الملقحة بتطوراتها العديدة (الزيجوت ) و ينتهى هذا الطور بتعلق الزيجوت ببطانة الرحم فى نهاية الأسبوع الأول من التلقيح و من ثم يتحول إلى طور جديد وهو طور العلقة .

ب- طور العلقة

كلمة علقة مشتقة من علق وهو التعلق بالشىء و الإلتصاق به كما يطلق على الدم الجامد وهذا يتوافق مع شكل الجنين فى هذا الطور حيث تتكون لديه الأوعية الدموية المقفلة و الممتلئة بالدماء و العلقة هى دودة تعيش فى البرك , تلتصق بالحيوانات و تمتص دمائهم . والجنين يظهر خلال الأسبوع الثالث له كنقطة دم حمراء جامدة تأخذ شكل الدودة التى تمتص الدماء و تعيش فى الماء و يتشابه الجنين معها فى قوة تعلقه بجدار الرحم و حصوله على غذائه من امتصاصه للدم فسبحان الله فى وصفه القرآنى الدقيق . مدة هذا الطور من بداية الأسبوع الثاني من التلقيح حتى نهاية الأسبوع الثالث من التلقيح .

ج- طور المضغة

 

يبدأ القلب فى النبض و ينتقل الجنين إلى طور المضغة فى بداية الأسبوع الرابع و بالتحديد فى اليوم الثانى و العشرين .

قال المفسرون المضغة هى قطعة اللحم قدر ما يمضغ الماضغ وهذا ما يتوافق مع الجنين فى أول هذا الطور حيث يتراوح حجمه من حجم حبة القمح إلى حجم حبة الفول و هو القدر الذي يمكن مضغه و يبدو سطحه من الخارج و قد ظهرت عليه النتوءات أو الكتل البدنية بحيث يبدو و كأنه شىء لاكته الأسنان تماماً لكن لا شكل فيه و لا تخطيط يجعله يدل على أنه جنين إنسانى لكن الجنين يظل يتحول و يتغير من ساعة إلى أخرى حيث تظهر عليه فى النصف الثانى من هذا الطور براعم اليدين و الرجلين و الرأس و الصدر و البطن كما تتكون معظم براعم أعضائه الداخلية و مع إحتفاظه بالشكل الخارجى المشابه لمادة ممضوغة يصدق عليه أنه مخلق و غير مخلق قال تعالى ( ثم من مضغة مخلقة و غير مخلقة ) الحج . وهذا النص دلالة على أن التخليق يبدأ فى هذا الطور و هو ما أكدته حقائق علم الأجنة فى أن التخليق يبدأ من أول الأسبوع الرابع وينتهى قبيل الأسبوع السادس و عليه يكون إكتمال جميع الأطوار الثلاثة الأولى فى الأربعين يوماً الأولى من عمر الجنين ثم يبدأ تكون العظام حيث يتخلق الهيكل العظمى الغضروفى ثم تتميز الرأس من الجزع و تظهر الأطراف ثم تكسى العظام بالعضلات فى نهاية الأسبوع السابع وخلال الأسبوع الثامن تنتهى مرحلة التخليق حيث تكون جميع الأجهزة الخارجية و الداخلية قد تشكلت و لكن فى صورة مصغرة و دقيقة , ثم يبدأ الجنين بعد الأسبوع الثامن مرحلة أخرى يسميها علماء الأجنة بالمرحلة الحميلية و يسميها القرآن مرحلة النشأة خلقاً آخر و لذلك يعتبر طور كساء العظام باللحم هو الحد الفاصل بين المرحلة الجنينية و الحميمية ..

ثم تبدأ مرحلة النشأة فى الأسبوع التاسع و حتى نهاية الحمل حيث يكتسب الجنين شكله و صورته الشخصية و يصبح ذو سمع و بصر و إدراك و حركة و إضطراب .

نصوص السنة تحدد زمن أطوار الجنين الأولى:

روى الإمام مسلم بسنده عن عبدالله ابن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو الصادق المصدوق قال (إن أحدكم ليجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوماً , ثم يكون فى ذلك علقة مثل ذلك , ثم يكون فى ذلك مضغة مثل ذلك , ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح و يؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه و أجله و عمله و شقى أو سعيد ) . رواه مسلم

روى الإمام مسلم بسنده عن حذيفة بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا مر بالنطفة اثنتان و أربعون ليلة , بعث الله إليها ملكاً , فصورها و خلق سمعها و بصرها و جلدها و لحمها و عظامها , ثم قال يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضى ربك ما شاء و يكتب الملك ) . رواه مسلم

و جمع الشىء هو ضمه بعضه إلى بعض بعد الإنتشار فما هو هذاالشىء ؟ فالعبارة النبوية هنا غاية فى الدقة العلمية , حيث أشارت إلى إنقسام الخلايا الجنينية السريع و الهائل و فى إتجاهات متفرقة وعلى تمايز هذه الخلايا فى طور العلقة ثم تجمع خلايا كل عضو من أعضاء الجنين ليتم تكونه و تخلقه فى طور المضغة فى صورة براعم أولية , و لا تنتهى الأربعون يوماً الأولى إلا و خلايا جميع أعضاء الجنين المختلفة قد تمايزت أما لفظ فى ذلك يعود إلى الوقت أى إلى الأربعين يوماً أى فى نفس الأربعين يوماً الأولى من خلق الجنين أما لفظ مثل ذلك فيعود إلى جمع الخلق, وبذلك يكون قد

إتضح بالأدلة الشرعية و الحقائق القطعية بأن القول بأربعين لكل طور من أطوار النطفة و العلقة و المضغة قول غير صحيح للأدلة التالية :

روى حديث ابن مسعود السابق كل من الإمامين البخارى و مسلم , و لكن رواية مسلم تزيد لفظ ( فى ذلك ) فى موضعين قبل لفظ (علقة) و قبل لفظ (مضغة) وهى زيادة صحيحة تعتبر من اصل المتن جمعاً بين الروايات و على هذا تكون الرواية التامة لألفاظ الحديث كما هى ثابتة فى لفظ مسلم .

ذكر القرآن أن العظام تتكون بعد طور المضغة و حدد الرسول صلى الله عليه و سلم فى حديث حذيفة أن بدء تخلق العظام يكون بعد اليلة الثانية و الأربعين من بدء تكون النطفة الأمشاج و بالتالى فالقول بأن العظام يبدأ تخليقها بعد مائة و عشرين يوماً يتعارض و ظاهر الحديث الذي رواه حذيفة كما يتعارض مع الحقائق المثبتة فى علم الأجنة الحديث مما يؤيد المعنى الواضح لحديث حذيفة .

التعارض مع الوصف القرآنى لأطوار الجنين فالجنين فى اليوم العشرين أو الثلاثين لا يمكن وصفه كقطرة الماء .

ولكن متى تنفخ الروح ؟

هذه قضية لايفصل فيها العلم كما قلنا سابقاً و لكن تفصل فيها النصوص الشرعية و قد إتفق علماء المسلمين على أن الروح تنفخ فى الجنين بعد إكتمال طور المضغة بناء علىالنص النبوى فى الحديث الذي رواه حذيفة , لكن متى يحدث ذلك بالضبط هذا فى علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه و تعالى .


جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسى الموقع
و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أى مادة دون إذن مسبق من مشرفى الموقع
لمراسلتنا إضغط هنا

 لاتنسونا فى دعواتكم

 

الصفحة الرئيسية

جديد الموقع

عن الموقع

تأملات

إعجاز علمــى

عبر من السيرة

أبناؤنــا

قطـــوف

سبحان الله

حديث قدســى

دعـــاء

مواقع للزيارة

سجل الضيوف