المبدىء – المعيد
هالة
أحمـــد فؤاد
قبل كل
مخلوق .. .. موجود هو أو لم يوجد بعد .. .. قبل كل شيء
.. .. كان الله و لم يكن معه شيء .
قبل أن يكون للوجود
وجود .. .. قبل السموات و الأرض و الملكوت .. .. كان
الله و لم يكن معه شيء .
ثم أراد سبحانه و
تعالى أن يبديء الخلق {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ
أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }
ب ( كن ) بدأ الخلق
.. خلق السموات و الأرض و النجوم و الكواكب و الأفلاك
و ما بينهما ، خلق من عدم .. .. عن حكمة و قدرة و علم
.. لا عن صدفة و عشوائية و عبث .. .. خلق مقدر .. مسخر
.. وفق سنن و قوانين لا تتبدل و لا تتغير .
خلق فى أطوار .. ..
تبدأ ثم تنتهى لتبدأ ثانية من جديد، و الله وحده هو
القادر على أن يبديء الخلق بإيجاده من العدم .. و
يبديء الخلق فى كل وقت .. و هو وحده الذى يعيد الخلق
بعد الحياة إلى الممات، ثم يعيده من بعد ذلك إلى
الحياة مرة أخرى {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ
ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ
الْمَثَلُ الأَعْلَىٰ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ}
و نحن نؤمن بهذا و
الحمد لله .. .. و لكننا رغم ذلك سنقدم الأدلة و
الشواهد العلمية التى تشهد لله تعالى بأنه هو المبديء
المعيد .. نناقشها بالعقل و المنطق مع من يدعون غير
ذلك .
و بداية نتحدث عن
نشأة الكون ، و نرد أولاً عن هذا التساؤل : هل الكون
وجد بالصدفة ؟
فنقول : إذا كان
الكون قد وجد صدفة ، فالصدفة لا يمكن لها أن تأتى بخلق
منتظم .. دقيق ... ثابت .. مستقر .. ، فلكل جنس من
الأجناس خواص و صفات و شكل خاص به يميزه عن غيره ..،
فكيف للصدفة أن تأتى بذلك كله ، فهى تخضع لملايين بل
لمليارات الإحتمالات و لا يمكن لأن تأتى بهذه الدقة فى
الخلق .. ثم من الذى سن بعد هذه الصدفة المزعومة هذه
القوانين و السنن الكونية التى تتحكم فى الكون و تعطيه
هذا التوازن .. بل و كيف يكون هذا التوازن كله فى صالح
الإنسان !!
لقد كان نيوتن يؤمن
بالله و يقول : " إن حركات الكواكب الراهنة لا يمكن
لها أن تكون قد انبعثت عن أى علة طبيعية فحسب ، بل
كانت مفروضة بفعل قوة عاقلة " .
و يأتى السؤال
التالى : هل المادة هى أصل كل الموجودات ؟
إذا كانت المادة فقط
هى أصل كل الموجودات، فكيف تأتي هذه المادة الميتة من
العدم من تلقاء نفسها!
و من أين أتت تلك
الحياه التى تسري فينا و التى بها تحركت المادة و
تفاعلت !!
لقد التقى أكبر
علماء الشرق و الغرب فى مدينة نيويورك عام 1959 فى
مؤتمر على مائدة مستديرة فى محاولة لفهم شيء عن أصل
الحياة و نشأتها .. و انتهى المؤتمر إلى المزيد من
التأكد بأن أمر الحياة لا يزال مجهولاً و لا مطمع فى
أن يصل إليه العلم يوماً ما ، و لقد أعلن العالم
الروسى ألكسندر أوبارين أستاذ الكيمياء الحيوية و رئيس
معهد الكيمياء الحيوية فى روسيا آنذاك بأنه و بعد أن
ظل يبحث طوال 37 عاماً فى أصل الحياة ، و عما إذا كان
من الممكن ايجاد الخلية الأولى عن طريق التفاعل
الكيميائى ، توصل إلى أن الحياة لا يمكن أن تتوالد من
التفاعل الكيميائى أو التوالد الذاتى ، و أن العلم لا
يمكن أن يخوض فيما وراء حدوث المادة .
و إلى الآن لم يتوصل
العلم بعد إلى الكشف عن سر الحياه {وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ
أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} .
إذاً .. فنحن توصلنا
الآن إلى أن الكون لا يمكن له أن يكون قد وجد بمحض
الصدفة ، و كذلك لايمكن لأى مادة أن تأتى من العدم من
تلقاء ذاتها .. كما لا يمكن للحياة أن تأتى نتيجة أى
تفاعل كيميائى .. أى لابد لهذا كله من بداية .. بداية
خلق من عدم .
و هنا يأتى أهم سؤال
: ما هو دليلكم على أن الكون له بداية أى كان عدماً ثم
وجد ؟
و للإجابة عن هذا
السؤال الهام ، سنقدم أولاً الأدلة و الشواهد العلمية
التى تثبت أن هذا الكون ليس أبدياً أى أنه سوف ينتهى
يوماً ما .. فاذا انتهينا إلى القول بأن لهذا الكون
نهاية .. إذا كان كذلك حقاً.. فلا بد و أن يكون له
بداية ، لأن كل شىء له نهاية لابد و أن تكون له بداية
أيضاً .. بل و لابد له أيضاً من موجد أوجده أى أنه
مخلوق .
فما هى الأدلة و
الشواهد العلمية التى تؤكد لنا على أن هذا الكون ليس
أبدياً ؟
و أول دليل على أن
للكون نهاية قدمه لنا الفيزيائيون من خلال القانون
الثاني للديناميكا الحرارية الذى ينص على أنه " لا
توجد هناك عمليات تحول في الطاقة دون أن يتحول جزء من
هذه الطاقة إلى شكل لا يمكن الاستفادة منه، أي لا بد
من ضياع جزء من هذه الطاقة ".
و للإشارة إلى مقدار
هذه الطاقة التي لا يمكن الاستفادة منها فقد استخدم
العلماء مصطلح الإنتروبيا Entropy ، و بهذا يؤكد هذا
القانون الفيزيائى أن جميع التغيرات والتبدلات الحادثة
والجارية في الكون تسير نحو زيادة "الإنتروبيا".. أي
نحو زيادة التحلل والتفكك.. أي أن الكون يسير نحو
الموت .
كما يؤكد
الفيزيائيون بهذا أن الكون يسير نحو الموت الحراري ، و
ذلك لأن انتقال الحرارة من الأجسام الحارة (من النجوم)
إلى الأجسام الباردة (الكواكب والغبار الكوني مثلا) لن
يستمر بموجب هذا القانون إلى الأبد و لكنه سيتوقف يوما
ما عندما تتساوى حرارة جميع الأجرام والأجسام في الكون
.. و عندما يتوقف انتقال الحرارة بين الأجسام ستتوقف
التفاعلات جميعها .. وهذا معناه موت الكون.
و لكن من
أين أتت هذه الحرارة الكونية و النى سوف تفنى
يوماً ما ؟
لم يجد
العلماء قديماً إجابة عن هذا التساؤل ، إلى أن
توصل البلجيكى جورج لوميتر عام 1927 م الى
نظرية الإنفجار العظيم و التى تقول بأن الكون
خلق من جرم أولى عالى الكثافة ، عالى الحرارة
و الجاذبية أيضا ، و به كل مادة الكون و طاقته
، ثم انفجر هذا الجرم و تحول إلى دخان تكونت
منه السماوات و الأرض .
و لقد أيد
الكثير من العلماء هذه النظرية لعدة شواهد ؛
منها ظاهرة التوسع الكونى و التى تؤكد أن
الكون دائم التمدد و الإتساع حتى الآن ،
فالنجوم و المجرات تتباعد عن بعضها البعض ، و
لم يجد العلماء أى تفسير لهذا الإتساع الدائم
للكون إلا أن يكون ناتجاً عن قوة الدفع
الهائلة التى نتجت عن الإنفجار الكبير ، و
التى تغلبت على قوة الجاذبية ... فإذا أردنا
أن نعرف ما هى بداية الكون ، فلنرجع بهذا
الإتساع إلى الوراء مع الزمن إلى نقطة البداية
، فسينتهى بنا الأمر إلى الجرم الأولى و
كثافته العالية التى تجعله فى حالة حرجة ينفجر
بعدها و يتحول إلى دخان ( ثُمَّ اسْتَوَى
إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ
لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ
كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) فصلت
: 11 ، و لكن العلماء الآن و بعد قياسات عديدة
يؤكدون على أن اتساع الكون لا يمكن له أن
يستمر إلا ما لا نهاية أيضاً ، حيث أن معدل
اتساع الكون الآن أبطأ من المعدل الذى بدأ به
و ذلك لأن قوة الدفع الى الخارج الناتجة عن
الإنفجار الكونى هى فى تناقص مستمر ، و سوف
يؤدى هذا التناقص التدريجى فى سرعة توسع الكون
إلى الوصول به إلى مرحلة تتغلب فيها قوى
الجاذبية على قوى الدفع إلى الخارج و حينئذ
يبدأ الكون فى الإنطواء و الإنكماش و التكدس
على ذاته حتى يعود إلى حالة مشابهة تماما
لحالته الأولى .
و يأتى القرآن من
قبل ألف و أربعمائة عام ليؤكد هذه الحقيقة فى قول الله
تعالى فى سورة الأنبياء الآية 30 (أَوَلَمْ يَرَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ
كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ
الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ )
فجاءت هذه الآية
الكريمة واضحة الدلالة على أن هذا الكون هو كون مخلوق
له بداية .. .. بدأ الله سبحانه و تعالى خلقه من هذا
الرتق - و هو القادر على أن يقول للشىء كن فيكون - و
الرتق فى اللغة هو الضم و الإلتحام ، ثم أمر بفتق هذا
الرتق فانفتق ( و الفتق هو الفصل بين الملتصقين )
ليتحول إلى غلالة من الدخان الذى تخلق منه السموات و
الأرض أى جميع أجرام السموات و ما ينتشر بينها من
مختلف صور المادة و الطاقة مما نعلم و ما لا نعلم.. ..
و لقد تعهد المولى عز و جل فى محكم كتابه الكريم
باعادة السماوات و الأرض إلى سيرتها الأولى ؛ فى الآية
104 من سورة الأنبياء فى قوله تعالى (يَوْمَ نَطْوِي
السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا
بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعدًا عَلَيْنَا
إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) .
فهذه هى نهاية الكون
.. .. أما نشأته فسنعرفها فى الأسبوع القادم بإذن الله
عندما نرجع باتساع الكون مع الزمن إلى الوراء خطوة
خطوة لنصل إلى نقطة البداية .
فبعد دراسات و
حسابات و معادلات رياضية معقدة قام بها العديد من
علماء الفيزياء و الجيولوجيا و الرياضيات أمكنهم معرفة
أطوار خلق هذا الكون العظيم ... فدعونا اليوم نعود _
كما وعدناكم _ بهذا الإتساع الكونى شيئاً فشيئاً إلى
الوراء مع الزمان و المكان ، و لاجظوا معى كيف تتجمع
الأجزاء ثم أجزاء الأجزاء شيئاُ فشيئاً كلما سرنا نحو
الماضى .
يقدر العلماء عمر
الكون الآن بحوالى 15 بليون سنة ، فإذا رجعنا إلى أول
بليون سنة من عمر الكون فسنجد الأرض جزء من المجموعة
الشمسية التى هى جزء من مجرة درب اللبانة milky way.
و إذا رجعنا أكثر
بالزمن إلى الوراء إلى أول مليون سنة من عمر الكون
فسنجد بداية تكون نوعين من الذرات : ذرة الهيدروجين (
بروتون + إلكترون ) ، و كذلك ذرة الهيليوم ( 2 بروتون
+ 2 إلكترون ) ، كما سنجد هناك نور و فوتونات تتحرك
بحرية كاملة .
أما عند أول 100
ثانية من عمر الكون سنجد بداية تكون نواة ذرة
الهيدروجين ( البروتون الموجب الشحنة مع النيوترون
المتعادل الشحنة ) فقط و ليس الذرة بأكملها ، أى بدون
وجود الإلكترون و ذلك بسبب الإنكسار الشديد للذرات
بواسطة الحرارة الشديدة الناتجة عن الإنفجار الكبير .
و إذا رجعنا إلى أول
ثانية بعد الإنفجار فسنجد أن القوى الأربع الأساسية فى
الكون قد انفصلت عن بعضها البعض و انقسمت إلى :1- قوى
الجاذبية المادية وحاملاتها جسيمات ( الجرافيتونات ) و
هى التى تمسك بأجرام السماء و تمنعها من الإنفراط .
2- القوى
الكهرومغناطيسية و جسيماتها ( الفوتونات ) و هى التى
تحكم قوانين التجاذب و التنافر الكهربى و المغناطيسى و
قوانين الضوء .
3- القوى النووية
الضعيفة و جسيماتها ( البوزونات ) و هى المسئولة عن
تحلل نوى الذرات الثقيلة و اصدار الإشعاعات الذرية وهى
المسئولة عن توليد الحرارة و الضوء فى النجوم.
4- ً القوى النووية
القوية و حاملاتها جسيمات ( الجلونات ) و هي المسئولة
عن تماسك النواة و التغلب على قوة التنافر الكهربى بين
البروتونات الموجبة داخل النواة .
أما بعد واحد من 100
جزء من الثانية من عمر الكون فسنجد بداية تكون
النيوترينو الذى هو جزء من جزء من النواة، كما سنجد
بدايات تشكل الكواركات و الليبتونات و هي من جسيمات
المادة و أصغر من النواة أيضاً.
و لا زلنا نرجع
بالزمان و المكان حتى نصل إلى جزء من 10 بليون جزء من
الثانية سنجد أن الطاقة النووية واحدة و لم تنقسم بعد
.. كذلك توجد فوتونات و هي جسيمات الطاقة
الكهرومغناطيسية ، و لهذا فالطاقة هنا طاقة كهرونووية
، أما جسيمات المادة فهناك جزيئات الزي zee particles
و هى أصغر من الكواركات .
ثم نصل إلى جزء من
10 35 ( 10 مرفوعة إلي القوة 35 ) جزء من
الثانية فسنجد أساسيات كل الذي سبق من جسيمات المادة و
هي particles x ، و سنجد أن المادة و الطاقة متجمعتان
و كأنهما جزءاً واحداً .. .. كما لا يوجد إلا نوعين
فقط من الطاقة المتجمعة و كأنهما شيئاً واحداً أيضاً و
هما الجاذبية و الكهرونووية .
و أخيراً نصل إلى
لحظة بداية الخلق .. سنجد جرم صغير جداً .. أصغر من
أصغر أجزاء نواة الذرة .. به كل المادة و الطاقة و
الزمان و المكان .. فى حالة حرجة من الحرارة الشديدة
تجعله ينفجر ليتحول إلى دخان تخلق منه السموات و الأرض
.
و نحن لم نشهد خلق
السموات و الأرض لنصدق كل ما ذكر سابقاً .. و لكن مجرد
ورود آية فى القرآن الكريم تدعم ما توصل إليه العلماء
، يجعلنا نرتقى بالنظريات لنصل بها إلى مقام الحقيقة
العلمية ، فكل ما ذكرنا سابقاً أشار إليه المولى
سبحانه و تعالى فى الآية 30 من سورة الأنبياء بإيجاز
معجز :
(أَوَلَمْ يَرَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ
كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ
الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ).
سيقول البعض : حسناً
.. هذه هى البداية ، و لكن ما هو دليلكم على أن هذه
البداية هى بداية من عدم ؟
و من بدأها ؟ .. ..
طبعاً هذا التساؤل لا يسأله مؤمن !!
فالمؤمن لديه يقين
بأن الله تعالى هو وحده القادر على أن يبدأ الخلق ..
كل الخلق .. من العدم ، فقط بحرفين لا ثالث لهما .. ..
ب ( كن ) {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً
أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }.
و لكنى سأجيب عن هذا
التساؤل بالشواهد العلمية أيضاً التى تطمئن بها قلوبنا
، و لنرد بها على من ينكرون ذلك .
و أول دليل نقدمه هو
: عجز العلم حتى الآن للوصول إلى ما قبل هذه البداية
.. فكل المعادلات و القوانين وقفت عاجزة عن فتح نافذة
ما قبل هذا الجرم الأولى .. و من أين أتى ؟ هل يمكن أن
يكون قد أتى من تلقاء نفسه ؟
و ثانياً: كيف يبنى
هذا الكون بهذا النظام .. الدقيق .. المقدر .. بعد
انفجار بهذا العنف!!
و كلنا يعرف أن
الإنفجار لا ينتج عنه سوى الخراب و الدمار و بعثرة
المواد !
إلا أن تكون وراءه
يد قدرة وعلم وإرادة وتقدير لانهائي ... يد الله
الخالق سبحانه و تعالى .
و ثالثاً : من الذى
قدر هذه السرعة الحرجة لهذا التوسع الكونى الناتج عن
الانفجار الكبير .. و التى يشير إليها العالم
البريطاني المعروف (بول ديفز) عندما يقول: ( لقد دلّت
الحسابات أن سرعة توسع الكون تسير في مجال حرج للغاية،
فلو توسع الكون بشكل أبطأ بقليل جدًّا عن السرعة
الحالية لتوجه إلى الانهيار الداخلي بسبب قوة
الجاذبية، ولو كانت هذه السرعة أكثر بقليل عن السرعة
الحالية لتناثرت مادة الكون وتشتت الكون .. لذا
فالانفجار الكبير ليس انفجارًا اعتياديًّا، بل عملية
محسوبة جيدًا من جميع الأوجه وعملية منظمة جدًّا). أما
العالم الفيزيائي المشهور (ستيفن هوكن) الذى تناول في
كتابه (التاريخ المختصر للزمن) الدقة المذهلة لسرعة
توسع الكون في الثانية الأولى الحرجة من الانفجار
الكبير، فيقول: (إن سرعة توسع الكون سرعة حرجة جدًّا
إلى درجة أنها لو كانت في الثانية الأولى من الانفجار
أقل من جزء واحد من مليون × مليار جزء لانهار الكون
حول نفسه قبل أن يصل إلى وضعه الحالي).
فليس للعلماء الآن
إلا الإعتراف بوجود الله الخالق .. المدبر ، وجوداً
أزلياً ، فقبل بدء الانفجار العظيم .. لم يكن هناك شيء
إلا الله تعالى .. حيث يقول عالم الفيزياء الباكستاني
البروفوسير محمد عبد السلام الحائز على جائزة نوبل : "
يعتقد اليوم عدد متزايد من علماء الكونيات بأن القيمة
الأكثر احتمالا لكثافة المادة والطاقة في الكون هي
القول بأن كتلة الكون تنتهي في مجموعها إلى الصفر على
وجه التحديد، فإذا كانت كتلة الكون هي الصفر فعلا،
وإذا تمكن العلماء من التحقق من ذلك تجريبيًّا، فإن
الكون في هذه الحالة يكون مخلوقاً من عَدَم قبل بدء
الانفجار العظيم مباشرة، ولقد ثبت فعلا أن الكون عبارة
عن تقلبات كمية للفراغ، وهي حالة من اللاشيئية في
المكان والزمان خلقت من العدم".. .. كما يقول الدكتور
زغلول النجار : " إن العلماء يرون بأعينهم كل يوم
بالتلسكوبات الفضائية الخلق من العدم ، عندما تمتلء
الفراغات التى تنشأ عند اتساع الكون " .. .. أفلا يكفى
هذا كله لتصديق حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم
الذى رواه البخارى : " كان الله و لم يكن شيء غيره " .
لابد لنا بعد هذا
كله أن نكون ازددنا يقيناً بالله تعالى .. و آمنا بأنه
هو وحده المبدىء الذى بدأ الخلق بايجاده من العدم ، و
هو تعالى المعيد الذى يعيد الخلق بعد الممات إلى
الحياة مرة أخرى .
و الله سبحانه و
تعالى يبدأ الخلق أيضاً فى كل زمان و مكان .. ثم يعيده
، فلقد خلقت الحياة الدنيا بعد ذلك الإنفجار الكبير ،
و لكن لم تخلق حينها كل الموجودات معاً .. و إلا لماتت
معاً ، فنحن نرى نجوماً تموت لتولد نجوم أخرى .. نرى
أناساً يولدون و أناساً أخرى يموتون .. .. الكل يولد
ثم يموت و لكن فى مكان و زمان مختلفان ... و نحن نرى
قدرة الله سبحانه و تعالى الخلاقة باستمرار فى دورة
الحياة و الموت التى يلعب التمثيل الضوئى للنبات
الأخضر دوراً هاماً فيها ، و هذه حقيقة هامة أشار
إليها القرآن الكريم فى قوله تعالى : { وَضَرَبَ لَنَا
مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي
ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ
أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ
عَلِيمٌ * ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ
ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ *
أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ
بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ
وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } يس: 78-81
و بهذا أعطى الله
سبحانه و تعالى برهاناً و دليلاً محدداً بالشجر الأخضر
و إنتاجه للطاقة ، على دورة الحياة و الموت ... لماذا
؟
لأن الحياه - من
وجهة النظر الكيميائية - ما هى إلا جزء من دورة مستمرة
لستة عناصر رئيسية وهى الكربون و الهيدروجين و
الأكسجين و النيتروجين و الفوسفور و الكبريت .. تدور
عبر الماء و الهواء و التراب على شكل جزئيات معقدة
متبادلة بين الأحياء و الأموات .. .. هذه الدورة يقوم
بها النبات الأخضر حيث يقوم بدور هام جدا لإمدادنا
بالأكسجين اللازم لحياتنا ، من خلال عملية التمثيل
الضوئى ، حيث تقوم الخلايا النباتية الخضراء بامتصاص
الطاقة الشمسية لتحول كمية من غاز ثانى أكسيد الكربون
و الماء إلى سكر( و هو مصدر للطاقة ) مع تحرير كمية من
غاز الاكسجين فى الجو اللازم لتنفس الكائنات الحية
جميعها حيث تأخذ الأكسجين و تعطى ثانى أكسيد الكربون
الذى بدوره يعود للنبات ليستهلكه فى عملية البناء
الضوئى من جديد ... و بالرغم من مرور ملايين السنين
على بدء الحياة على سطح الأرض و حتى يومنا هذا ، فلا
تزال نسبة الأكسجين فى الهواء ثابتة ، و نسبة ثانى
أكسيد الكربون فى الهواء هى أيضا ثابتة ، و كذلك نسبة
بقية الغازات ظلت ثابتة !!
كذلك يقوم النبات
بامتصاص النيتروجين ( من الهواء الجوى أو من من
المركبات النيتروجينية فى التربة ) و الماء ليتحد مع
الكربون و الهيدروجين و الأكسجين لإنتاج الأحماض
الأمينية التى هى المكونات الأساسية للبروتينات .. ..
و باتحاد هذه الأحماض الأمينية مع الكبريت و الفوسفور
، تتحول إلى مركبات بروتينية معقدة تختلط بالماء
فيتكون البروتوبلازم الذى يبنى بدوره أجسام الكائنات
الحية من إنسان و حيوان ، أما جذور النبات فى الأرض
فتسحب18 عنصرا من الأرض و هو نفس عدد العناصر المكونة
لجسم الإنسان و جسم الحيوان أيضا ، ثم بموت كل من
الإنسان و الحيوان و النبات ، تقوم البكتيريا بتحليل
مركبات الموتى إلى عناصرها الأساسية التى تكونت منها
ليعود كل هذا المخزون إلى باطن الأرض ، فيحدث لها تحلل
جزئى لينتج عن ذلك الفحم و الزيت و هما المصدران
الرئيسيان للنار، فباحتراقهما ينتج ثانى أكسيد الكربون
الذى يقوم بدوره فى عملية التمثيل الضوئى للنبات
الأخضر .. لتتكرر الدورة بين الأحياء و الأموات من
جديد ... فصدق الحق حين قال ( منها خلقناكم و فيها
نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى ) طه 55 .. .. فلكل
عنصر من عناصر الأرض دورة حياة مستمرة تبدأ من حيث
انتهت إليه ، ولكل نوع من الخلايا فى الجسم عمر محدد ،
تموت حين يأتى أجلها لتولد فى الوقت نفسه خلايا جديدة
أخرى .
و لنعطى مثالا على
ذلك خلايا الدم الحمراء ، فهى تعيش ما بين 80 – 120
يوما ، تؤدى خلالها عملها دون كلل و عندما تهرم تقوم
بتكسيرها خلية أخرى تسمى بالخلية الملتهمة و هى خلية
كبيرة الحجم تلتهم الخلايا الحمراء الهرمة و غيرها من
الخلايا ، فيتم بهذا تكسير ما بين مليونين الى عشرة
ملايين خلية حمراء بواسطة خلايا الجهاز الهادم البانى
كل ثانية ، و على الرغم من ذلك يظل عدد الخلايا
الحمراء فى الدم ثابتا فى أى وقت ، ذلك أن أعضاء
الإنتاج فى الجسم تعمل فى تناسق بديع مع سائر الأعضاء
لحفظ التوازن الحيوى فى الجسم .
مثال آخر .. دورة حياة الماء على
سطح الأرض ، فهذا بخار الماء يتصاعد من فوهات البراكين
و من تنفس الكائنات الحية و من تبخر المحيطات و البحار
و الأنهار إلى طبقات الجو العليا لتتكون بذلك السحب
التى لا تلبث أن تتحول إلى أمطارا تسيل فى الوديان و
الأنهار لتصب بعد ذلك فى البحار مرة أخرى .
و مثال أخير ..
النجوم .. فهى تتخلق فى السماء ، و تولد صغيرة تم تمر
بمرحلة شباب ثم شيخوخة ثم موت عندما ينفد وقودها ، و
يتخلق النجم داخل كتلة هائلة من الدخان تسمى السديم
بعد أن تتكثف مادة هذا الدخان فى مراكز معينة به إلى
أن يصل إلى كتلة كبيرة ، حينها يولد النجم ، و يكون
عبارة عن كتلة غازية شديدة الحرارة و الضغط ، ثم يبدأ
عملية الإندماج النووى أى اندماج نوى ذرات الهيدروجبن
( أخف العناصر المعروفة ) معاً لإنتاج نوى الذرات
الأثقل بالتدريج حتى يتحول إلى هيليوم ، و باستمرار
عملية الإندماج النووى تتأجج هذه الكتلة و يصبح لها
ضوء و حرارة .
و النجم يكون فى
أغلب دورة حياته أى فى فترة شبابه يكون نجماً عادياً
مستقراً .. تتعادل فيه قوة الجاذبية الهائلة إلى
الداخل مع الضغط المتولد من الفرن النووى إلى الخارج ،
و يظل هكذا حتى ينفد الهيدروجين فى قلبه ، فيبدأ القلب
فى الإنكماش تحت تأثير الجاذبية ، فيؤدى ذلك إلى رفع
درجة الحرارة فى المركز فيندمج الهيدروجين المحيط
بالقلب بمعدل أسرع متحولاً إلى الهيليوم ، فيتوقف
الإنكماش ، و تبدأ بذلك مرحلة الشيخوخة التى تتميز
بانتفاخ النجم و زيادة حجمه زيادة هائلة ليصبح لون
سطحه أحمر و لهذا يسمى عندها بالعملاق الأحمر Red
Giant ، و تستمر عملية الإندماج النووى ، حينما يتحول
قلب النجم إلى حديد ، و عندها تستهلك طاقة النجم ، و
تتوقف عملية الإندماج النووى فيه ، ليتحول النجم إلى
قزم أبيض ، فينفجر ، و ينتج عن هذا الإنفجار إما نجم
نيوترونى أو ثقب أسود وهو حالة من المادة عالية
الكثافة يبتلع فيها النجم كل ما يصل إليه من صور
المادة و الطاقة و يبتلع حتى ضوءه .. فينكدر النجم و
يطمس ضوؤه طمساً كاملاً .
و عندما ينفجر النجم
.. ثم تتناثر أشلاؤه فى السماء .. تبدأ منها دورة حياة
نجم آخر من جديد .
و فى الختام
و بعد أن رأينا قدرة
الله فى بدء الخلق ثم اعادته بالأدلة و الشواهد
العلمية ، و رأينا كيف يمكن أن يكون الموت تحولاً لخلق
جديد {ُ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} ، كما رأينا كيف أن
حياة كل مخلوق هى جزء من دورة حياه متكررة بين الأحياء
و الأموات ، الله تعالى بدأه .. ثم هو سبحانه مفنيه ..
ليأتى من بعده من يخلفه .
و بعد كل هذه الصور
.. .. أرى .. .. بنظرة المتأمل فى التاريخ ... تاريخ
الأمم و الحضارات ... كم من أمة بلغ نفوذها و سلطانها
الحد الذى بلغ بالبعض القول " لو سمعت بأن هذه الأمة
قد هزمت .. .. فلا تصدق " إلى هذا الحد !!
ثم شاء الله سبحانه
و تعالى لها أن تهزم من قبل رجال صدقوا الله ما عاهدوا
{...ُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ
النَّاسِ } .. .. فهذه سنة من سنن الله تعالى التى لا
تتبدل إلى قيام الساعة { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ
لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } .
المراجع : - أسماء
الله الحسنى – للشيخ الشعراوى – الجزء الخامس .
كبرى اليقينيات
الكونية - للشيخ محمد سعيد رمضان البوطى .
الإسلام و العلم –
د. منصور حسب النبى .
من آيات الإعجاز
العلمى فى القرآن الكريم – د. زغلول النجار .
إعجاز القرآن – د.
طارق السويدان .
- اعجاز القرآن فى
آفاق الزمان و المكان – د . منصور حسب النبى .
- موقع اسلام أون
لاين www.islamonline.net
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسى الموقع
و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أى مادة دون إذن مسبق من
مشرفى الموقع
لمراسلتنا
إضغط هنا
لاتنسونا فى
دعواتكم
|
|