العـلـيـم
هالة
أحمـــد فؤاد
العلم فى مفهوم البشر هو
إدراك الشىء على ما هو عليه بالدليل ، أو هو مقولة
مقطوع بصحتها تطابق الواقع و عليها دليل .. فإن لم يكن
عليها دليل صارت تقليدا و ليس علما .. و إن لم تكن
تطابق الواقع لصارت جهلا ..أما إن لم يكن مقطوع بصحتها
صارت وهما أو شكا أو ظنا ...... فالعلم إذن ليس وهما و
لا شكا و لا ظنا بل هو قطعى (1).
و علم البشر – بعضه –
مستنبط من الوجود ..... من القوانين ......... من
السنن التى سنها الله عز وجل ..... و من الخصائص التى
خصها الله تعالى للأشياء .... فهو علم مكتسب .
أما علم الله سبحانه و
تعالى فهو يختلف عن علم البشر ، ذلك أن علم الله تعالى
هو الذى قنن القوانين .... هو الذى سن السنن ...... هو
الذى خصص الخصائص ...... فهو علم سابق للوجود .. أما
علم البشر فهو لاحق للوجود .
و قد جاء فى الحديث القدسى
الذى رواه عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال : انى
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول ما
خلق الله القلم فقال : أكتب ، فقال : ما أكتب ؟ قال :
اكتب القدر ، ما كان و ما هو كائن إلى الأبد " . أخرجه
الترمذى و أبو داوود .
و أول علم للبشر كان من
لدن الله العليم الحكيم ، فالله سبحانه و تعالى عندما
خلق آدم عليه السلام ، شرفه بأن جعله عالما }
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ
عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء
هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ { البقرة :31
و يقول تعالى
{ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ * خَلَقَ
ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ *{ الرحمن :1- 4
و قال عز من قائل }ٱقْرَأْ
وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ * ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ *
عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * { العلق : 3 –
5
و هنا لابد من القول بأننا
لا يجوز لنا أن نسمى الله باسم المعلم و على هذا أجمع
علماء الأمة ، ذلك لأن أسماء الله تعالى توقيفيه بمعنى
أنه لا يجوز أن نذكر منها إلا ما ورد ذكره منها فى
القرآن أو فى السنة أو ما أجمعت عليه الأمة .
منزلة العلماء
الله سبحانه و تعالى دعانا
إلى العلم و رفع من قدر و منزلة العلماء فقال }قُلْ
هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ
يَعْلَمُونَ { الزمر : 9
و قال تعالى أيضا }
يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ
وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} المجادلة : 11
و لقد حثنا رسولنا الكريم
صلى الله عليه و سلم على طلب العلم ، فعن أبى الدرداء
رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و
سلم يقول : " من سلك طريقا يبتغى فيه علما سهل الله له
طريقا إلى الجنة ، و إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب
العلم رضا بما صنع ، و إن العالم ليستغفر له من فى
السماوات و من فى الأرض حتى الحيتان فى الماء ، و فضل
العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، و إن
العلماء ورثة الأنبياء ، و إن الأنبياء لم يورثوا
دينارا و لا درهما و إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ
بحظ وافر " رواه أبو داود و الترمذى .
و عن أنس رضى الله عنه قال
: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من خرج فى
طلب العلم فهو فى سبيل الله حتى يرجع " رواه الترمذى .
و يظل الإنسان يتعلم طوال
حياته ، يقول تعالى }وَقُل رَّب زِدْنِي عِلْماً } طه
: 114 ، حتى أن بعض العلماء قالوا إن من ظن أنه علم
فقد جهل لأن كل عالم هو لايزال يسمى طالب علم .
و الإنسان يعلم بقدر ما
قدر له الله تعالى أن يعلم ..... يقول تعالى }وَلا
يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْـمِهِ إلاَّ بِـمَا
شاءَ} البقرة : 255 ، و الآية فى تفسير بن كثير أى لا
يطلع أحد على شىء من علم الله إلا بما أعلمه الله عز و
جل و أطلعه عليه .
و يقول تعالى }وَفَوْقَ
كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} يوسف : 76
فكل علم وصل إليه الإنسان
هو بإذن ربه {يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ
ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ
ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ
إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} الرحمن : 33
و الآية فى تفسير بن كثير
: أى لا تستطيعون هربا من أمر الله و قدره بل هو محيط
بكم لا تقدرون على الهروب منه أينما ذهبتم أحيط بكم ،
و قال بعض المفسرين أى لا تنفذون إلا بسلطان العلم
الذى يتكشف لدينا بأمر الله تعالى .
علم الله لأنبيائه و
عباده الصالحين
إذن فنحن كما ذكرنا سابقا
أن أول علم للإنسان هو العلم الذى علمه الله سبحانه و
تعالى لآدم عليه السلام و من بعده الأنبياء و الرسل
جميعهم ، فكل منهم كان يأتيه علم من الله عن طريق
الوحى ،
فهذا نبى الله إدريس عليه
السلام يبعث الله عز و جل إليه ملك يعرفه الفلك و
دورانه و منازل الشمس و القمر ، فكان عليه السلام أعلم
أهل الأرض بالنجوم و جريان الأفلاك ، و يقال أنه أول
من قدر الساعات و الدقائق و عرف تقسيم الدقيقة إلى
ثوانى (2).
كذلك علم الله تعالى
لسيدنا يعقوب عليه السلام ، يقول تعالى {وَلَمَّا
دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ
يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ
حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ
لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ
أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} يوسف : 68 ، و علم
الله تعالى ليوسف عليه السلام أيضا {رَبِّ قَدْ
آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن
تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَاوَاتِ
وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ
تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ}
يوسف : 101 ، و تأويل الأحاديث فى تفسير ابن كثير أى :
تعبير الرؤيا و تفسيرها .
و هذا أيضا نبى الله داوود
، فقد جمع الله له بين النبوة و الملك و الجنود و ما
منحه من صوت عظيم فقد كان إذا سبح تسبح معه الجبال
الراسيات الشامخات و تقف له الطيور الغاديات و تجاوبه
بأنواع اللغات ، كذلك مكنه ربه من إلانة الحديد
فهوعليه السلام لم يكن يحتاج إلى النار لصهر الحديد بل
كان يفتله بيده مثل الخيوط .
و من بعده سليمان عليه
السلام } وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ {النمل 16 : ،
و المقصود بالميراث هنا هو الملك و النبوة و ليس
المقصود هو المال ذلك لأن الأنبياء لا تورث أموالهم ،
و فى سورة النمل الآية 15
يقول تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ
عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي
فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ
ٱلْمُؤْمِنِينَ * { ، و على لسان سيدنا سليمان جاء فى
القرآن الكريم {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ
يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ
وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ
ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ} النمل : 16.
كذلك أخبرنا ربنا تبارك و
تعالى فى كتابه الكريم عن علمه الذى آتاه لبعض عباده
الصالحين ، فأشار إلى قصة الخضر عليه السلام - و هو
ليس بنبى من أنبياء الله – مع سيدنا موسى عليه السلام
وهو النبى و الرسول الكريم بل و من أولى العزم من
الرسل الذى أوحى الله تعالى له بأن يذهب باحثا عن عبد
الله الذى آتاه الله رحمة و علما لينهل من بعض علمه و
فى ذلك يقول المولى عز وجل {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ
عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا
وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} الكهف :65
وفى نفس السورة وردت أيضا
قصة ذى القرنين ذلك الملك الصالح الذى أعطى العلم و
الحكمة من لدن ربه الكريم {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي
ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً}
الكهف : 84 ، و ( سببا) فى قول بن عباس و مجاهد و
قتادة و الضحاك و غيرهم أى : علما ، و أضاف آخرون
قولهم أى : تعليم الألسنة فكان لا يغزو قوما إلا و
كلمهم بلسانهم .
و فى سورة النمل يحكى
القرآن الكريم لنا قصة سيدنا سليمان عليه السلام مع
عرش بلقيس ملكة سبأ فيقول تعالى على لسان سليمان عليه
السلام : {قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ
يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي
مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ
آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ
وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ ٱلَّذِي
عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ
قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا
رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ
رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن
شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ
فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} 38 – 40 ، ولقد أجمع
أكثر المفسرين على أن الذى عنده علم من الكتاب هو رجل
من الإنس يسمى آصف وهو كاتب سليمان و قد كان صديقا و
كان يعلم إسم الله الأعظم الذى إذا دعى به أجاب و إذا
سئل به أعطى ، فدعى الله تعالى به فجىء بالعرش ، و قال
آخرون بأنه هو سليمان عليه السلام نفسه و استدلوا على
ذلك بقول سليمان ( قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي
لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ) ،
إذن فهناك من العلم ما
يمكن الإنسان من فعل أشياء لا يمكن للعقل البشرى أن
يتصورها ، و لكن هذا ليس متاحا إلا لمن خصه الله
سبحانه و تعالى بهذا العلم (3).
أما علم خاتم الأنبياء و
الرسل سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ، فالبعض يتساءل
لماذا كان النبى صلى الله عليه و سلم أميا و الأمية
صفة نقص فى حق البشر ؟
و الجواب : نعم الأمية
هى فى حق البشر صفة نقص ، و لكنها فى حق رسول الله صلى
الله عليه و سلم هى صفة كمال و هى من دلائل نبوته لأنه
تنزه عن علم البشر فعلمه من لدن الله العليم الحكيم ……
فحينما نزل عليه جبريل عليه السلام فى غار حراء لأول
مرة ، كانت أول آية أنزلت عليه هى {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ
رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ *{ أى أن هذا النبى الأمى
الكريم الذي لا يقرأ سوف يقرأ و لكن باسم ربه الذي
خلق.....هذا النبى الكريم الذي لا يعلم سوف يعلم و لكن
من قبل ربه العظيم الذي علم الإنسان ما لم يكن يعلم …
فمن علم محمد صلى الله عليه و سلم أخبار الأمم السابقة
و الأمم اللاحقة ….. من أخبره عن السماء و الطارق ...
عن الخنس الجوارى الكنس .... عن الجبال الأوتاد ....
عن الأمواج الداخليه فىالبحار و المحيطات و الرياح
اللواقح للسحاب … عن أطوار الخلق فى الأجنة .. و غيرها
و غيرها ، فالقرآن الكريم كله معجز بيانا و بلاغة و
تصويرا و علما و تاريخا و تشريعا ، ليكون معجزة باقية
لكل الأزمنة و للبشرية جميعها لأنه معجزة خاتم
الأنبياء و الرسل المبعوث للبشر أجمعين .
إذن فكل منا لديه علم
موروث من العلم الذي علمه الله تعالى لآدم عليه السلام
، و من بعده للأنبياء و الرسل جميعهم ... و أعظم علم
علمه الله تعالى لأنبيائه و رسله و خلقه أجمعين هو
علمه عن ذاته سبحانه و تعالى ، و بأنه لا إله إلا هو
وحده لا شريك له ، كذلك إخبارنا باليوم الآخر و بأن كل
إنسان سوف يحاسب و توزن أعماله و بأن هناك ثواب و عقاب
، فلا نأتى متعجبين بعد ذلك حين نرى فى آثار بعض
الحضارات القديمة نقوشا للبعث و الحساب و الميزان و
الثواب و العقاب .. بل و للسماوات السبع و الأفلاك ،
ثم ندعى أنها من اجتهاد البشر، و نتناسى أنها من بقايا
العلم الذي علمه الله تعالى لأنبيائه و رسله و لكن حرف
بعضه بمرور الزمن كما حرفت الرسالات السماوية السابقة
.
الله العليم
الله سبحانه وتعالى وسع
كل شىء علما .... فهو العالم بما كان و بما يكون قبل
كونه .. و لا تخفى عليه خافية .. فنحن إذا تحيرنا فى
أمر صلينا صلاة الإستخارة ، فندعو الله تعالى و
نستخيره بعلمه لأنه هو الذي يعلم غيب السماوات و الأرض
و يعلم الظاهر و الباطن و ما نبدى و ما نخفى .
و علم الله تعالى أزلى
سابق للوجود ، يقول تعالى {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ
فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي
كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ
عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ} الحديد : 22
فكل أحداث الكون فبل أن
تحدث كانت مكتوبة عند الله سبحانه و تعالى قبل أن تقع
و هذا دليل على إحاطة علم الله تعالى
و عليم هى صيغة مبالغة
على وزن فعيل للدلالة على كمال علم الله عز و جل ،
و الله سبحانه و تعالى
وصف لنا علمه فى القرآن الكريم فى عدة آيات فقال تعالى
، {إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ
وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا
تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ
عَلَيمٌ خَبِيرٌ} لقمان : 34
وقال تعالى {وَٱللَّهُ
خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ
جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ
وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن
مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي
كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ} فاطر :
11 ، فهذه الآيات محورها الرئيسى هو إثبات العلم لله
تعالى .
و الله سبحانه و تعالى
أيضا هو عالم الغيب و الشهادة ......
و نحن نفهم معنى عالم
الغيب و لكن ما معنى عالم الشهادة ؟
فنحن نرى الشىء و نستخدم
جوارحنا للتعرف عليه و لكننا لا نرى و لا نعلم كل
تفاصيله لأن جوارحنا محدودة ، فإذا نظرت أنت إلى شىء
هل ترى كل ذراته مثلا ، هل ترى حركة الإلكترونات و
الجزيئات بداخله ..
بل و الأعجب من هذا أن
كل ما نراه فى صفحة السماء ليس الحاضر بل هو من الماضى
!! فصورة الشمس التى نراها هى الصورة التى كانت عليها
منذ ثمان دقائق و كذلك النجوم التى نراها هى ليست نجوم
حقيقية و لكن ما نشاهده هو ضوء نجم كان فى هذا الموقع
منذ سنوات عدة و ربما يكون هذا النجم قد مات الآن !
(4) فنحن لا نعلم إلا أقل القليل } وَمَآ
أُوتِيتُم مِّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} الإسراء :
85
و الله تعالى هو العلام
و هى أيضا صيغة مبالغة على وزن فعال للدلالة على كمال
علم الله عز و جل فهو عز وجل علام الغيوب .
و هو الأعلم ، يقول
تعالى } إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن
سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ} القلم :
7. فهو وحده الأعلم بنا من أنفسنا {رَّبُّكُمْ
أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ
صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً}
الإسراء : 25 ، ويقول تعالى {وَإِن تَجْهَرْ
بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى {
طه : 7، و يخبرنا ربنا تبارك و تعالى هنا بإحاطة علمه
بالجهر من القول ، و بالسر ، بل و بالأخفى من السر !
فنحن نعلم أن الجهر هو
ما أعرفه عن نفسى و يعرفه الناس .. و السر هو ما أعرفه
عن نفسى و لا يعرفه الناس .. إذن يبقى ما لا أعرفه عن
نفسى و لا يعرفه الناس و هذا هو المقصود ب ( أخفى ) فى
الأية الكريمة ... فالله سبحانه و تعالى يعلم كل هذا
... يعلم الجهر من القول و يعلم السر و يعلم الأخفى من
السر .
يقول بن عباس رضى الله
عنهما : السر هو ما أسر ابن آدم فى نفسه و أخفى هو ما
خفى على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه ، و قال
مجاهد : أخفى يعنى الوسوسة ، و قيل السر هو العزيمة و
أخفى هو ما يخطر على القلب و لم يعزم عليه .
و كل إجتهادات علماء
المفسرين السابقة - جزاهم الله عنا خيرا - تتفق مع ما
يسميه علماء النفس الآن باسم اللاشعور أو العقل الباطن
و الذي انتبه إليه أحد علماء النفس فى مطلع القرن
العشرين منذ أكثر من مائة عام فقط و اعتبر ذلك حينها
كشفا علميا كبيرا و هو الذي ورد ذكره فى القرآن الكريم
منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان باسم (أخفى ) ،
هذا ما ذكره د . ميسرة طاهر أستاذ علم النفس بجامعة
الملك عبد العزيز فى بحثه الذي نشره بمجلة الإعجاز
العلمى العدد التاسع تحت عنوان : الأخفى و السلوك
قائلا : إن 60 % من سلوكنا اليومى من أفعالنا و
أقوالنا مصدرها هو الأخفى بمعنى أننى لا أعرف السبب
الحقيقى لحوالى 60 % من سلوكى اليومى و لكننى إذا سئلت
لماذا فعلت أمرا ما فسيكون عندى مبرر عقلى أستطيع أن
أقدمه إلا أن السبب الحقيقى لذلك السلوك يبقى كامنا فى
أعماقى أى فى الأخفى .. فى المكان الذي لا أعرفه .
اقتران العلم بالرحمة
لقد اقترن العلم بالرحمة
فى عدة مواضع فى كتاب الله عز وجل كما فى قول الله
تعالى }رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً
وَعِلْماً {غافر : 7 ، و قوله عز و جل } آتَيْنَاهُ
رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا
عِلْماً} الكهف
، و يقول عز من قائل
{ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ
بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى
وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ *}
الأعراف :52 و الحكمة من هذا الاقتران - كما يقول لنا
ابن القيم الجوزيه رحمه الله - هى أن العلم لابد له و
أن يقترن بالرحمة و إلا لكان سببا فى الفساد فى الأرض
...
فنحن لا نريد علما يدمر
... نحن نريد علما لعمارة الأرض .. علما يسمو بنا ...
لنستحق لأن نكون من ورثة الأنبياء .
المراجع : 1 - أسماء
الله الحسنى للشيخ / محمد راتب النابلسى
2- قصص الأنبياء / حسين
عبد الحميد
3- الحياه و الموت
للشعراوى
4- إعجاز القرآن
للدكتور/ طارق السويدان
- برنامج القرآن الكريم
/ الإصدار السابع لشركة ضخر
- رياض الصالحين للإمام
النووى
- مجلة الإعجاز العلمى
العدد التاسع
- صحيح الأحاديث القدسية
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسى الموقع
و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أى مادة دون إذن مسبق من
مشرفى الموقع
لمراسلتنا
إضغط هنا
لاتنسونا فى دعواتكم
|
|